الفلسطينيات في شهرهن.. خرزة زرقاء!
بقلم : وفاء عبد الرحمن
“لسنا إلا مرآة لواقعنا السياسي/الاجتماعي/الاقتصادي”، هذا ما قالته صديقتي ونحن نندب على واقعنا الحالي كما يفعل الجميع!
ولأن واقعنا السياسي سيء بكل تفاصيله، بدء من استمرار الاحتلال وتغوله، ومشاريعه الاستعمارية القديمة التي يعمل على تجديدها وتجذيرها بسهولة لا تقابلها أي مقاومة من أي نوع، فطبيعي أن تقع النساء ضحايا الاحتلال من جهة وضحايا غياب الاستراتيجية المقاومة وهذه الأخيرة نكذب لو ادعينا أننا نصنعها أو جزء من صناعتها.
مروراً بالانقسام الذي يتمأسس كل يوم، بفعل سياسي مع سبق الإصرار والترصد، يتمظهر في قطع رواتب، وإعلان انتخابات محلية بلا توافق، وتأسيس إدارة لشؤون غزة، واقتراحات عبثية أو واقعية بفدرالية فلسطينية تحت الاحتلال لاقتسام الحكم في الضفة والقطاع!
وليس انتهاء بمحاولات تفتيت التمثيل الفلسطيني والمنظمة التي حملته عقودا لتتكلس وتعجز حتى عن إعادة انتاج ذاتها!
نحن نساء فلسطين نصنع مقاومة من نوع آخر، مقاومة الصمود على أرضنا، ومقاومة توريث روايتنا الأصيلة والأصلانية بأن صفد ويافا والرملة وأم الفحم لنا تماماً كما رام الله وجنين، وكما بيت حانون ورفح ومخيم النصيرات وكما القدس قبل أن تكون العاصمة الموعودة رغم أنف مناهج الجغرافيا الجديدة!
نساء فلسطين لسن المؤسسات النسائية، ولسن عضوات المكاتب السياسية في الأحزاب والفصائل، ولسن الوزارات التي تقودها امرأة، ولسن عضوات المجالس السياسية والاقتصادية المنتخبة والمعينة!
نساء فلسطين أكثر من ذلك، وقياس أوضاعهن لا علاقة له بعدد العضوات في اللجنة التنفيذية والمجلس التشريعي ومجلس الوزراء والمجلس الوطني، والمجلس الاقتصادي، وصندوق الاستثمار ومجالس الأحزاب.
قياس التأثير هو قياس فعالية هؤلاء النساء في مواقعهن وقدرتهن على التأثير على المنظمات والهيئات التي ينتمين إليها، وليس بالضرورة قدرتهن على تغيير واقع النساء والذي هو مسؤولية لا تقع على عاتق النساء فقط، فهل استطعن التأثير؟
سؤال فيه اجحاف كبير بحق النساء لأنه يفترض أن البيئة مواتية للاختراقات التي يمكن أن تشكلها النساء، في حين أن قدرة الفصائل مجتمعة تساوي صفر في ظل بيئة مشوهة ونظام سياسي يقوده فرد، ونظام اقتصادي أكثر تشوها يعفي رأس المال لتشجيع الاستثمار ويقتص من صغار التجار والمزارعين والتعاونيات ليعوض خسائر احتكار الكبار!
لم ينته آذار بعد، ولم ينته التغني بالنساء وجلدهن في آن، هذا ال”آذار” تعس، استمر كغيره من ال”آذارات” الفارطة، ورشة عمل هنا، وتكريم هناك، ولقاء بروتوكولي بالرئيس دون مطالب، ومسيرة تقودها مؤسسة واحدة في رام الله، وأخرى تحولت لعُرف سنوي في غزة..
ثم جاءت استقالة د. ريما خلف، الأمينة التنفيذية لمنظمة الإسكوا لتذكر البعض منا أن النساء يشكلن اضاءة في واقع مظلم إن أردن ذلك، ولكنا اختلفنا إن كان ما فعلته ينبع من كونها امرأة أم لأنها بألف رجل!
أذكر أنني اقترحتُ على النساء الاستقالة من أحزابهن وقلب الطاولة، لا ليثبتن أنهن بمليون رجل، بل ليُعدن للنظام السياسي اعتباره وقبلها بوصلته، واليوم أسحب هذا الاقتراح!
أسحب اقتراح الاستقالة لأن التفاعل مع استقالة ريما خلف انتهى بمنحها وسام، وتحويلها لبطلة على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي، وتناسينا أن الاستقالة جاءت لمنع اختفاء استنتاجات ومخرجات تقرير يؤكد أن دولة الاحتلال هي دولة فصل عنصري عمرها أكثر من خمسين عام.
تركنا التقرير والاستنتاجات والخطوات التي يجب أن تلي، وصنعنا بطلة من ورق، وهكذا سنفعل مع النساء لو تقدمن بخطوة تُحرج نظامنا السياسي وتضعه أمام مسؤولياته، سنحتفي بالبطلات أسبوعاً ونعود لسابق فعلنا وكأن شيئاً لم يكن!
في شهر آذار، لا تسألوا النساء ماذا فعلن؟ بل اسألوا من يحكمون البلد لماذا تحولت النساء من “شريكات في النضال، شريكات في البناء”، إلى “خرزة زرقاء” يعلقونها على صدورهم مخافة الحسد!