المرأة العربية جارية بلا أجر
استطاعت المرأة العربية في الآونة الأخيرة أن تثبت جدارتها وقدرتها في جميع المجالات وبقدرة فائقة على الإبداع والابتكار، على الرغم من المسؤوليات التي لا تزال ملقاه على عاتقها من واجبات أسرية ومهام، فقد أوجدت الظروف الملائمة لتسخير ذاتها كمناضلة على مدار الساعة، أي أن العربية التي حققت نجاحاً يوازي نجاح الرجال أو يفوقه لم تتخلَ عن واجباتها تجاه بيتها وأطفالها، لا بل واخترعت حلولاً للتوفيق القسري لتحقق المثالية، فالعربية أم بمعنى الكلمة ومربية وزوجة بمثالية الترابط الأسري الاجتماعي العربي. ولا تزال الفئة الأكبر من النساء والفتيات العربيات يقبعن تحت ظلال التبعية والاستغلال والقهر، حتى أن قضايا الأمة المحورية من تحرر ونهوض وتوحد باتت متعلقة بهذا الجانب النهضوي الذي لا يزال متراجع لدينا جداً عن باقي الأمم.
تقبع الفئة العظمى من هؤلاء النساء والفتيات في دائرة فكرية ضيقة، كأن لا تتجاوز عتبة المنزل وذلك بجهلها الكبير بحقوقها وقبولها بواقع تبعيتها للرجل باعتبار المثالية في هذا، ظمن أطر الالتزام التي أوجدتها تراكمات لا تزال مستمرة في التراجع. حتى أنها باتت ترفض أي تغيير لصالحها باعتبار التغيير مؤثر سلبي على حياتها الإجتماعية وحياتها الزوجية وينددها بخطر الانفصال، فباتت في هذه الخانة الضيقة ترغد بالتبعية وتتلذذ بها.
هنا لم تستطع العربية الانعتاق من قيم وعادات أكسبتها لنفسها برضاها فباتت عنصراً هامشياً مسانداً ليس رئيسياً في المجتمع، فلم تحقق استقلالها الشخصي لا مادياً ولا معنوياً، حتى أن باتت حبيسة الفكر قبل المنزل فلم تتحرر داخليا بقرارة ذاتها، مما ألبسها ثوب التبعية الضيق كملكية خاصة للرجل، وأرجعها هذا إلى زمنٍ من التردي ربما لم يحمله التاريخ من قبل، فأصبحت تشكل بخنوعها عتبة تاريخية هامه شعارها فيه المطاوعه والالتزام، وشعارالمرحلة القابعة بها التخلف والإقصاء.
هذا القهر التاريخي امتد لأن يشكل عناوين عادية لا بل مثالية وفقاً لآليات تفكير المجتمع، الرجل الذي ظل ينظر الى المرأة بأنها الكائن العاطفي غير العقلاني الواقع ضمن وصايته، مما أملكه هذا من التسلطية الذكورية وأدواتها كالعنف والظلم والاستبداد… كأنها مجتمعة مقياساً لرجولته، حتى أن الرجولة العربية أصبحت مرتبطة ارتباطاً جذريا بالغطرسة والهيمنه المفروضه على من حوله من إناث، ابتدأً بأمه وزوجته وأخواته ماراً بقريباته وانتهاءً ببناته، نعم هذا هو العربي البطل الشجاع الذي راح عن باله الاستعمار ونسي أعداء أمته واستخدم نساءه جواري لارضاء حاجاته.
لا أبالغ هنا في تعبيري أن العربية جارية بلا أجر، فهذا واقعٌ مهيمن على الفئة الأكبر في مجتمعاتنا ، لا بل غدا هذا عنوان مرحلة ثقافية متدهورة تعيشها أغلب نساء العرب. والحجج كثيرة أولها العادات والتقاليد والدين، ومنها قناعات خاصة، وبعضها واقعة تحت وطأة الاشباع الغرائزي الذكوري بامتلاكه الحريم.
وجاءت قوانين السلطات والبلاد مواتيه لتعزيز عبودية المرأه والتي لا تشكل بحساب القانون نصف الرجل في الميراث وشهادة القضاء وغيرها. بالاضافة الى ميل الحكومات الى اقصائها عن وضائف معينه كلياً، وعدم فتح فرص العمل بمساواة وعدالة لها، مما أعاق من تطور الكثيرات وأسكنهن في إطار المسايره والخنوع فالقبول.
وسؤالي هنا يفرض نفسه في ظل كل هذا التردي الواقعي الذي وصفته، من هي العربية التي تحررت من كل هذا ووصلت إلى الابداع؟ وكيف تحقق هذا في ظل هذه الغطرسة غير المحدودة؟
هنا لن ألوذ بعيداً بأخذ شرائح معينة ممن حققن هذا النجاح، وسأقف عند تجربتي الشخصية كإمرأة عربية خرجت من هذا الوهن، أو تكاد… أجد هنا أن الفرصة التي أتيحت لي من تحررمن التسلط الذكوري ليست بالنادرة بل حققتها الكثيرات من قبلي بفضل رضى الرجل بهذا الانفتاح بحكم تحرره ووعيه وثقافته.
إذن لا تزال مرتبطة بقبول الرجل ورضاه، فأين هو التحرر الفعلي غير الخاضع لقرار الموافقة من الرجل، أين هي المرأة ذاتها التي تفعل ما تشاء وتعي ما تشاء المتحرره من زيف القبول أو الرفض، الانحباس أو الانعتاق من غطرسة القانون الذكوري.
وبكل ما حققته المرأة من نجاحات كوزيرة ونائبة ومديرة وأديبة كان وراءها رجل راضٍ، وكما درج المثل بأن وراء كل عظيم إمرأة ،أستطيع أن أقول هنا أن وراء كل عظيمة رجل راضٍ، أقولها وجزاه الله ألف خير…
إذن لم تحقق المرأة العربية أي شيء يذكر في تعداد المساواة المنشودة، وباتت تجارب النجاح البارزة ذات طابع انفرادي يحمل وراءه الآلآف النضرات والعبرات في مجتمع متردي القوام الثقافي، فإلى متى…..؟؟!!
أتساءل هنا وأوجه سؤالي للمرأة ،إلى متى ستقبلين …؟! إلى متى سترضين…؟! متى ستنهضين؟! ومتى ستدركين حقوقك وما تريدين….؟!
أستطيع هنا شخصنة الاجابات وبايجاز بوضع خطوط رئيسية تفضي إلى الولوج لبداية الطريق نحو التحرر والإنعتاق، باعتبار الأمر حلماً مناله معتمداً على هِمّة حالمه. فأجد أن بداية الطريق هي بالعلم والثقافة الواسعتين ووعي المرأة بما لها وما عليها، وإدراكها ذاتها بتعادل مع الرجل، ثم ادراجها ذاتها في ميادين العمل وميادين الحراك الاجتماعي كافة، ثم التحرر الاقتصادي الذي هو تحصيل حاصل وهو مفتاح الحلول، فتكسير زيف المعتقدات البالية فالتحرر والمسير في نهضة البلاد والأمة.