المرأة الفلسطينية والسلام والنزاعات المسلحة
تكاثرت مؤخراً في بعض البلدان العربية الفعاليات التي تدعو إلى نقاش وضع المرأة في الحروب والنزاعات المسلحة، أو تلك التي تدعو إلى إلقاء المزيد من الأضواء على القرارات الدولية المتعلقة بالأمن والسلام والمرأة، وعقد لهذه الغاية لقاءات وورش عمل ومؤتمرات كان آخرها عقد قمة المرأة بمناسبة يوم المرأة العالمي في بيروت حضرتها النساء الأُول في العالم العربي تحت عنوان منتدى المرأة العربية والنزاعات المسلحة، وكأن أصحاب الدعوة يأملوا من خلال حضور عقيلات الملوك والرؤساء العرب أن يقمن بلعب أدوار ما من شأنها أن تخفف من معاناة النساء العربيات من ضحايا الحروب، على اعتبار أن قربهن من مراكز صنع القرار يمكنهن من تحقيق بعض الأهداف.
الفعاليات المنظمة لم يقتصر عقدها على الدول العربية المجاورة ، فقد عقد بعضها أيضاً في فلسطين تحت عناوين أخرى ذات صلة بالعنوان المشار إليه، وقد نظم بعضهما من قبل منظمات تابعة لهيئة الأمم المتحدة، وهكذا فجأة نجد الاهتمام بموقع النساء في القانون الدولي الإنساني يحتل الصدارة، وتفعيل النصوص التي تقضي بحماية المرأة في حالة الحرب والنزاع المسلح، ونكتشف فجأة أن لدينا قرار صادر عن مجلس الأمن يحمل الرقم 1325 يتحدث عن حماية المرأة من أثر الصراعات المسلحة، وتعزيز دورها في بناء السلام، عن طريق زيادة تمثيلها ودفعه في كافة المستويات، وزيادة وجودها في البوليس المدني ولجان المراقبة المشكلة من الأمم المتحدة المتواجدة في مواقع التوتر والصراع وإشراكها بالعملية السلمية وإجراء تدريبات خاصة بالنوع الاجتماعي لحفظ السلام والاستقرار، وكذلك ينص ذات القرار على إجراء دراسات عديدة تخصص للبحث في أثر النزاعات المسلحة على المرأة والطفلة، والبعد الجندري في عملية السلام وفي الصراع والحلول، وتنتهي اللقاءات إلى المطالبة بتجسيدات ومهام ومشاريع واقعية تنطلق من فهم حيثيات القرار والقناعة به.
ليس من أحد أحوج للسلام في العالم بأسره من المرأة الفلسطينية، وهي لا تنفرد بذلك، بل أن الشعب الفلسطيني كله يرنو ويتطلع إلى الوصول إليه والتمتع بنعيمه، ففلسطين كانت دائماً مطمعا للغزاة والمحتلين على مدار التاريخ، ونادرة هي الحقب التي تمتعت بالأمن والاستقرار، وكان لموقعها وثرواتها التاريخية والدينية الأثر في جعلها مركز اهتمام وصراع وإطماع، لذلك فإن فلسطين وشعبها وإرساء السلام على أرضها مصلحة فلسطينية خالصة يشترك بها المرأة والرجل، فلا تمايز ولا تفاضل في المساحة المخصصة لمقاومة الاحتلال والاشتباك معه، حتى لو أشارت الإحصائيات إلى أن الفعل المقاوم للرجال يفوق ما تقوم به المرأة وأكثر اتساعاً وشمولية، فهذا أمر موضوعي وواقعي له علاقة بالبيئة الوطنية والاجتماعية والأدوار لكلا الجنسين، فالمرأة الفلسطينية لم تتقوقع بقضاياها ولم تعزل نفسها بوعي وإرادة كاملين عن المشاركة الإيجابية بقضايا شعبها الوطنية، كما هي أيضاً مشاركة وفاعلة بقضاياه الحقوقية والديمقراطية، وقراراتها لم تكن يوما نابعة من رؤيا ذاتية فهي من مكونات نسيجه الاجتماعي، وهي تنظر بقناعة إلى أن المشكلة الأهم ومصدر معاناتها تكمن باستمرار الاحتلال، واتساع نطاق الاستيطان، وفرض نظام الآبر تهايد عبر بناء الجدار العنصري الفاصل بالشكل المباشر وغير المباشر، فالسياسة الإسرائيلية العدوانية الساعية إلى تدمير المجتمع الفلسطيني المستهدفة لوجوده عبر اقتلاعه وتشريده والاستيلاء على أرضه لم تحيّد أحدا، وكانت دافعا حاسما في اشتراك الجميع في المعركة الوطنية الطاحنة الدائر رحاها على أرض فلسطين، والمرأة وبفعل موقعها المتقدم في النضال قدمت تضحيات كبيرة, فقد استشهد منذ بدء الانتفاضة الأخيرة وحتى الثامن من آذار الحالي (220) شهيدة، منهم أربعون امرأة توفين على الحواجز بسبب منع قوات الاحتلال مرورهن إلى المدن المحاصرة للعلاج أو الولادة، ومما جعل (55) امرأة حامل يضعن مواليدهن على الحواجز، وقد توفي (31) جنيناً بسبب ظروف الولادة الصعبة، ودهست ثلاث نساء من قبل المستوطنين، وقضت ست نساء اختناقاً بالغازات السامة التي تلقى من قبل جيش الاحتلال داخل البيوت تمهيداً للمداهمة، وسحقت عظام المتطوعة الأمريكية الشابه ريشيل كوري تحت جنازير الدبابة، واعتقلت حوالي (150) مناضلة, ولا تزال (81) أسيرة منهن يقبعن خلف القضبان، كل هذا جعل الشهيدة ريم الرياشي الأم لثلاثة أطفال تهجم بنفسها على حاجز ايرز منفذة عملية فدائية نادرة مضحية بنفسها لتساهم في معركة الدفاع عن الوطن والشعب ملتحقة بخمس فتيات أخريات نفذن عمليات فدائية استثنائية كرد فعل على سياسة الاحتلال العدوانية، وبدافع التخلص من الاحتلال لاحلال السلام العادل والشامل، بغض النظر عن المواقف المتباينة في المجتمع حول جدوى مثل هذه العمليات، وإذا ما أضفنا عوامل أخرى حاسمة جعلت المرأة مع المقاومة دفاعا عن النفس لوجدنا أن عدد البيوت المدمرة تدميراً كاملاً قد بلغ خمس عشر ألف منزلا، مما أدى إلى تهجير ما يقارب من خمس وعشرين ألف امرأة, وأن 44% من النساء يقف الجدار الفاصل أمامهن عقبة في طريق الاستفادة من الخدمات الصحية والتعليمية والثقافية والتواصل الاجتماعي والعائلي، وخير شاهد على حدة الهجمة الإسرائيلية ما ورد في بيان صادر عن سبعة منظمات تابعة للأمم المتحدة بمناسبة الثامن من آذار يشير إلى تدني الظروف المعيشية في المناطق المحتلة بما في ذلك خدمات الصحة والتعليم والغذاء، ويشير التقرير أيضاً إلى ارتفاع معدلات الفقر ليشمل أكثر من نصف الأسر الفلسطينية، أسوق هذا لأقول بأن وضع المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال والحصار وأمام الجدار وتأثيراتهم على حياتها أجدر بالبحث من أجل اشتقاق المهام والمشاريع، وهو الواقع الذي يعيق تحقيق السلام والأمن في المنطقة العربية، فإزالة الاحتلال هو المدخل لتوفير الحماية للمرأة والرجل في فلسطين، فلم يكن الرجل الفلسطيني صاحب قرار الحرب، ولا تملك المرأة الفلسطينية قرار السلام، ولا يوجد في فلسطين أو في الدول العربية نزاعات مسلحة، بل يوجد احتلال في فلسطين وفي العراق، وعلى منظمات الأمم المتحدة أن تعمل على تطبيق القانون الدولي الإنساني وتوفر الحماية للمدنيين حسب نصوص القانون، وحسب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تتحدث بعدم أحقية دولة الاحتلال في تغيير القوانين أو نقل السكان أو تغيير شكل الأرض، وهم يُخرقوا جهارا نهارا تحت سمع وبصر العالم، دون أن تتحرك منظمات الأمم المتحدة لحماية مواثيقها، وتجد بديلا لذلك بسبب عجزها بالتوجه للضحية لتطالبها بدفع العملية السلمية وتأنيثها, والتي لا نقف ضدها من حيث المبدأ، فقد اختار شعبنا بنسائه ورجاله طريق السلام من أجل استرجاع الحقوق المغتصبة بالاستناد إلى قرارات الشرعية الدولية، وعلى المؤسسات الدولية تطبيقها وحمايتها، وأن توجه ضغوطها وتدريباتها إلى المرأة الإسرائيلية لتدفع من موقعها عملية السلام، فهناك توجد أوراق ومفاتيح الحل.
بقي أن أقول، بأن هذه الفعاليات والمصطلحات المعولمة تأتي في ظل الطروحات السياسية الجديدة من مشروع الشرق الأوسط الجديد والإصلاح والتغيير على الطريقة الأمريكية، وفي ظل العمل على اعادة تشكيل عقل المواطن العربي على أسس جديدة، وقد بدأوا بالمرأة من أجل إبعادها عن دائرة الفعل السياسي عبر عناوين تبدو بالمظهر مقبولة ومقنعة، وبالجوهر تعني إقصاء المرأة عن العمل السياسي وانزوائها بقضاياها الخاصة، انسجاماً مع تكوينها النفسي والجسدي المزعوم!