المرأة الفلسطينيّة .. تربك الاحتلال داخل السجن وخارجه
لا يختلف الماضي عن الحاضر، السجان ذاته والأسر ذاته، والمرأة الفلسطينيّة في دائرة الاستهداف منذ أن احتلّت إسرائيل بقية فلسطين عام 1967. فمع كل هبة وانتفاضة تدفع المرأة ثمنًا باهظًا شأنها شأن الرجل من سنوات العمر، خلف قضبان حديديّة بين أربعة جدران، في زنازين تحت حكم سجّان ظالم، وقاتل.
“الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال الإسرائيلي”، موضوع كان عنوان الحلقة 15 من البرنامج الأسبوعي فلسطينيات، الذي تنتجه مؤسسة فلسطينيات في مدينة غزة وتبثه عبر إذاعة صوت الشعب، وتعدّه وتقدمه مجموعة من الصحفيات.
في الواقع، رصدت تقارير أعداد النّساء الفلسطينيّات الأسيرات على مدار فترة الصراع وأبرز أشكال المعاناة التي تعرّضن لها بما يخالف القانون الدولي، إذ يذكر أن أكثر من 15,000 امرأة وشابة فلسطينية، خضن تجربة الاعتقال على مدار سنوات الصراع الطويلة، فقد بلغت أكبر حملات الاعتقالات لهن خلال الانتفاضة الأولى ليصل العدد إلى 3000 أسيرة.
أمّا مع انطلاق الانتفاضة الثانية حتى عام 2009، فقد بلغ عدد الاعتقالات في صفوف النّساء نحو 900 حالة، لتتراجع بعدها الوتيرة مع الإفراج عن 27 أسيرة ضمن صفقة وفاء الأحرار مقابل الإفراج عن الجندي “جلعاد شاليط”، في الثّامن عشر من تشرين الأول من العام 2011، إلا أن تسعة أسيرات لم تشملهن الصفقة بينهن عميدة الأسيرات الفلسطينيات “لينا الجربوني” من الجليل المحتل، اعتقلت في نيسان/ إبريل عام 2002، وتقضي حكمًا بالسجن 17 عاما أمضت منهن 14 عاما حسبما أكّد نادي الأسير الفلسطيني.
وفي حصيلة غير نهائيّة لهيئة شؤون الأسرى، فإنّ أكثر من 70 أسيرة يقبعن داخل معتقلات الدامون وهاشارون.
وعن تجربتها في الأسر مدّة سبعة أعوام، تقول الأسيرة المحرّرة وفاء البس، أن السجّان الصهيوني لا يعرف إلا لغة العنف والتنكيل بحق الأسيرات في السجون، وحتّى خارج السجون على الحواجز المختلفة. ثمّة سياسة تفتيش عاري أيضًا تتعرّض إليها الأسيرة بمجرّد خروجها من الزنزانة، حيث قابلتها الأسيرات بالإضراب عن الطعام عدّة مرّات لوقفها ولكن دون جدوى.
عن معاناتها في الأسر، تروي: “قيّدوا يدي وأرجلي، وضربوني ضربًا مبرحًا، منعوني على مدار سبعة أعوام من الاعتقال من أن أرى أهلي، مكثت عامين في سجن الرّملة تحت الأرض، سجن أشبه في غوانتنامو نتعرّض فيه للضرب والشبح. أضربت عن الطعام مدّة 20 يومًا إلى أن أخرجوني إلى سجن آخر.” وفي شهر رمضان، يحرم السجّان الاسرائيلي في بعض الأيّام الأسيرات من وجبات الفطور والسحور، ويزيد من الضّغط عليهن في التحقيقات ويحرمهن من رؤية ذويهم خاصّة في المناسبات الدينيّة.
وتواجه البس صعوبات في التعامل مع الفلسطينيّين خارج أسوار السجن إذ يزعجها سؤال متكرّر “هل تم اغتصابك بداخل السجن؟” مشيرة إلى استحالة أن يستطيع الجنود فعل ذلك لقوّة الأسيرات وقدرتهن على حماية أنفسهن داخل أسوار السجن.
بذات السياق، يقول النّاشط في مجال الأسرى موفق حميد، أنه منذ عام 1967 تم اعتقال نحو 15 ألف أسيرة فلسطينيّة، وليلى خالد تعتبر نموذجًا. يتابع أن الاحتلال الاسرائيلي لا يؤمّن للفتيات الفلسطينيّات لنواياهن في شن عمليات فدائيّة، ويتابع: “لكل فعل ردّة فعل، ما تقوم به المرأة الفلسطينيّة هو ثورة ضد الظلم الواقع من قبل الاحتلال الاسرائيلي، فمن الأجدر أن تنافس المرأة الرجال في المقاومة”
ويعتقد أن آليّات التحقيق التي تمارس ضد الأسيرات هي أشد قسوة وعنف جسدي من آليات التحقيق مع الأسرى، إذ تم إطلاق النّار على بعضهن ما أدّى إلى استئصال أجزاء من أجساد بعض الأسيرات، ومن ثمّ إعادة التحقيق معها وضربها واستخدام الجرح والعمليّة لانتزاع الاعترافات، ما دفعها إلى التوقيع على اعترافات مكتوبة باللغة العبريّة تحت الضغط دون أن تعرف محتواها.
ويكمل أن هناك شتائم وألفاظ نابية يطلقها جنود الاحتلال على الأسيرات تشعرهن بـ”اللا إنسانيّة” في التعامل، غير الاعتداء في البساطير، ويذكر أن الطفلة تسنيم الحلبي 14 عامًا تم إطلاق النّار عليها واعتدى الجنود عليها بالضرب المبرح وفتّشوها بشكل عاري.
وفي مداخلة لها، تتحدّث سلوى هديب وكيل وزارة شؤون القدس عن الهجمة الشرسة ضد النساء والأطفال تحديدًا في القدس باتت أشرس من ذي قبل، وتفيد أن 18 أسيرة و118 طفل ما بين 12-14 عام صاروا في الأسر منذ بداية الهبّة الشعبيّة الأخيرة في مطلع أكتوبر عام 2015. تضيف أن وتيرة الاعتقالات تزداد يومًا عن يوم، وتجربة السجن أصبحت بمثابة مدرسة ثوريّة تقوّي المرأة وتضعفها في آن، حيث تحتاج المحرّرات إلى إعادة تأهيل من جديد بعد خروجهن من السجن لما عانين من عذابات السجن والسجّان خلال فترة الاعتقال.
وينص القانون الدولي في عدة اتفاقيات على وجوب معاملة الأسرى بكرامة، خاصة بالنسبة للأسيرات. ومن أبرز هذه الاتفاقيات: اتفاقيات جنيف، واتفاقية مناهضة التعذيب، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ إلا أن إسرائيل كانت وما تزال تنتهك هذه الحقوق، وتعامل النساء الاسيرات معاملة مهينة وقاسية، وتحتجزهن في ظروف صعبة، وتحرمهن في أغلب الأحيان من الرعاية الصحية، ومن الغذاء الكافي، ومن حقهن في حضانة أولادهن، أو حتى رؤيتهم؛ بالإضافة إلى أساليب التحقيق والتعذيب المهينة، التي تتم أحيانا على يد محققين أو سجانين رجال؛ بخلاف ما ينص عليه القانون الدولي من وجوب توكيل الإشراف المباشر عليهن إلى نساء سجّانات، دون الاحتكاك بهن من قبل السجانين الذكور، وعدم جواز تفتيشهن إلا من قبل إمرأة، وضرورة فصل الفتيات القاصرات عن النساء البالغات.
غزة/ نوى / مرح الوادية: