المصالحة والخوف من الفشل
الكاتب: مصطفى إبراهيم
إسرائيل ستقوم بكل ما تستطيع فعله من مؤامرات وشن حملات إعلامية دعائية، وبدأت فيها بالفعل لتشويه صورة الفلسطينيين لإفشال المصالحة، لان من مصلحتها استمرار الانقسام التي استفادت منه كثيرًا، و عبرت بعنجهية ووقاحة كبيرة وبغضب شديد سواء كان على لسان نتنياهو أو غيره من المسؤولين الإسرائيليين الذين تسابقوا في إطلاق التهديد والوعيد للسلطة والفلسطينيين، ودعوا السلطة الى الاختيار ما بين السلام مع إسرائيل أو مع حماس.
الفلسطينيون هم الخاسرون من الانقسام، و المصالحة هي مصالحة الضرورة لطرفي الانقسام و هي نتاج فشل الفلسطينيين على جميع الاصعدة، و إن تمت هي إنجاز للفلسطينيين الذين عانوا وما زالوا ودفعوا ثمن استمرار الانقسام.
ومع ذلك يعيش الناس أجواء من الحيرة والبلبلة السائدة على مصير المصالحة والخوف من الفشل، ويتراجع يقينهم وثقتهم بإطراف الانقسام خاصة، وانه لا خطوات عملية على الارض تعيد للناس ثقتهم بطرفي الانقسام، مع تمسك كل طرف برؤيته السياسية ولا يوجد مؤشر حقيقي على اتمام المصالحة على اساس الوحدة الوطنية، وفتح ورشة عمل كبيرة و حقيقية لإعادة بناء المشروع الوطني وترميم الشروخ الكبيرة الذي صدعته، والاتفاق على استراتيجية وطنية على اساس كفاحي مقاوم للاحتلال. وإعادة الاعتبار للمجتمع الفلسطيني الذي تمزق نسيجه على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفقد الثقة بالنظام السياسي الفلسطيني والقائمين عليه.
الناس يوجهون الاسئلة الكبيرة لأنفسهم عندما وقعوا اتفاق مخيم الشاطئ المفاجئ، ولم يتفاعلوا معه بشكل جدي و يتساءلوا عن مدى جدية الطرفين، وهل ستعالج كل القضايا الوطنية رزمة واحدة، ومتى ستشكل الحكومة وكيف ستجرى الانتخابات؟ و كيف ستتفق حماس وفتح والرئيس محمود عباس لم يغير مواقفه من العودة للمفاوضات وانها خياره الوحيد؟
وماذا لو قامت حركة حماس بالتنافس على منصب الرئيس؟ وكيف سيتم اعادة الموظفين المستنكفين، وكيف سيتم توحيد الاجهزة الامنية؟ وما هو مصير المقاومة وما هي الضمانات للحفاظ عليها وعدم تدخلها في الشأن الداخلي؟ وهل فصائل المقاومة المختلفة هي مليشيات مسلحة كما يسميها البعض؟ وما هو الضمان لعدم العودة الى ما جرى قبل سبع سنوات؟ وهل ستحل ازمة الكهرباء والمياه والبطالة و العمل على تراجعها ونسب الفقر؟ وما هي الاليات لوضع حد لكثير من الظواهر السلبية التي سادت وتفاقمات خلال سنوات الانقسام؟ كيف ستحل مشكلاتهم في ظل غياب اسواق العمل؟ وماذا عن مصير معبر رفح والمعابر الاخرى؟ وما هي الاليات الحقيقية للضغط على اسرائيل لفتح المعابر ورفع الحصار؟
وهل سيمنح الفلسطينيون فرصة لالتقاط الانفاس وإعادة ما دمره الاحتلال، والتفكير بصوت عال ومراجعة حقبة من الزمن ارهقتهم، و أثخنتهم قتلاً وجراحاً لم تلتئم؟ وهل ستبقى غزة الجبهة الوحيدة لمقاومة الاحتلال؟ وحقل تجارب لكل شيئ؟ و لماذا لم يتم حتى الان اتخاذ خطوات عملية لإنهاء الانقسام والإفراج عن المعتقلين السياسيين؟ ولماذا الاستمرار في تقييد الحريات العامة و حرية الرأي والتعبير، واحترام حقوق الانسان الفلسطيني؟
الاجابة على الاسئلة وعدم الهرب منها وتأجيلها، هي خطوة أولى على طريق اتمام المصالحة والوحدة الوطنية، و مواجهة الاحتلال وإقامة دولتهم من اجل الحرية و الاستقلال، القرار المستقل الذي عانى الفلسطينيون كثيرا من اجل الحفاظ عليه ولم يستطيعوا التمسك به جراء تحالفاتهم وثقتهم بوعود دولية وإقليمية مزيفة، ورهنوا أنفسهم بأنظمة باعت شعوبها من اجل مصلحة حكامها وأجنداتهم الشخصية، وارتباطهم بالمشروع الأمريكي الإسرائيلي.
الحفاظ على المصالحة والمضي قدما في انجازها ليست سهلة، وهي بحاجة الى إرادة قوية من أجل إزالة جميع العقبات وتوافق الكل الوطني، ليس فقط بين حماس وفتح، المطلوب منهما العمل مع الكل الفلسطيني لبناء استرايجية نضالية جديدة وجدية، لمواجهة العقبات الداخلية التي ستجابه الفلسطينيين، قبل العقبات الخارجية المتمثلة بالتهديد والابتزاز الإسرائيلي للفلسطينيين، والضغط الأمريكي وتخاذل وجبن الموقف الأوروبي، بالرغم من بعض التصريحات الايجابية التي صدرت من بعض أطرافه.
وعلى حركتي فتح وحماس أن تكونا أكثر حذرا وصدقا وأن يمتلكا الإرادة الحقيقية والصادقة، وعدم خذلان الناس الذين فقدوا الأمل، وأصبحوا أكثر خبرة ونضجاً و غير مصدقين ما تم، وعليهما اتخاذ خطوات حقيقية لبدء المصالحة الحقيقية المبنية على الحقيقة والمصالحة والمكاشفة، والعمل على تهيئة الأجواء من خلال إطلاق سراح المعتقلين السياسيين من حماس وفتح، وإعادة توزيع الصحف و المقرات والمؤسسات المغلقة بفعل الانقسام، والاهم حفظ كرامة الناس وصيانتها و احترام حقوق الإنسان الفلسطيني وإعادة الاعتبار له.