خضر عدنان نهاية رجل شجاع
من يعرف خضر عدنان أو من يعرف فائض التحدي الهائل المختبيء في ذلك الجسد الصغير كان يدرك بلا شك أن هذا النوع من الرجال لا يعرف الهزيمة في معاركه، هناك في التاريخ أسماء حفرت لنفسها موقعاً حين لم يثنيها السجن والتعذيب والخوف من الموت وتحدت جلادها بما تملكه من وعناد وسخرية ولم تسمح لليأس أن يطأ عتبة جباهها فأهدت البشرية درساً في انتصار المظلوم على الظالم وهزيمة المجرم أمام الضحية.
في معركته الأولى أهدانا خضر عدنان ما كنا نتوق إليه من مشهد افتقدناه طويلاً عندما أشرف على الموت وكان يكتب بجوعه نهاية رجل شجاع ، حضر ضابط المخابرات الاسرائيلي إلى سريره في المستشفى متسولاً نهاية تحفظ ماء وجه، دولة نزعت كل المياه في وجوه العرب وهي ليست سوى ترسانة عسكرية جعلتها دولة الغرور والغطرسة جعلها تجثو على ركبتيها أمام ارادة ذلك الجسد النحيف.
خضر عدنان يخوض معركتنا جميعاً في رمز الصراع بين الخير والشر، بين الظالم والمظلوم، بين الضحية والجلاد، بين الفلسطيني المسروق والاسرائيلي الغاصب، الأول بما يملكه من فائض ارادة والثاني بما يملكه من فائض عتاد في معركة كان الاسرائيلي غبياً في تكرارها بعد هزيمته الأولى، فهل أراد أن يعيد الاعتبار لنفسه فتلقى هزيمة أخرى؟
خضر عدنان يلخص ارادة شعب تعرض لأكبر عملية طرد واقتلاع في التاريخ الحديث لكنه يصر على أن تبقى جذوره في الأرض رغم فداحة الثمن، فهو يقود معركتنا جميعاً يلخصنا واحداً واحداً في جسده النحيل حاملاً ارادتنا جميعاً لنقف وجهاً لوجه أمام ارادة الاحتلال، فالمواجهة كانت بين قوة الحق وحق القوة لم يسمح الشيخ خضر للحق أن ينهزم أمام غطرسة القوة.
لا يعرف شراسة المعركة وآلامها إلا من خاض معارك الاضراب عن الطعام في السجون فهي من أصعب المعارك وبما أن صيام رمضان يقدم بروفة لا تذكر من الجوع في الساعات الأخيرة، ففي الاضراب عن الطعام تبدأ بعد الأيام الثلاثة الأولى آلام المفاصل بلا توقف ولا شيء يسكنها ويدخل الجسم في حالة من الألم الشديد ووظائف الأجهزة كلها يصبح لديها اختلال تفقدك توازنك وأنت تدرك أنك ذاهب إلى الموت إنها معركة كانت تستحق أن نقف كلنا على قدم واحدة وخاصة أننا نعرف أن بطلها سيطل علينا من شرفة الموت رافعاً شارة النصر الأخيرة وقد فعل.
انه يستحق كل الأوسمة والنياشين لقد أصبح ظاهرة لابد أن تستوقف الاسرائيلي ليعيد حساباته في ممكنات القوة والارادة التي لازال هذا الشعب يمتلكها بعد أن أخطأت تلك الحسابات واستسهل معاركه معنا واستسهلنا معاركنا ضد أنفسنا وأحدثنا هذا القدر من التآكل الداخلي في صراعنا على السلطة وما فعلناه بأنفسنا بهذا الانقسام الدامي يرفع عدنان اشارتنا الحمراء في وجهه من جديد قائلاً قف وفكر فنحن لها ويرفع ايضا اشارته الحمراء في وجوهنا ونحن نخوض معارك العبث ضد بعضنا.
لم نقف مع خضر عدنان لكنه وقف معنا جميعاً لم نسانده في معركته هو الذي ساندنا جميعاً حين وضع جسده أمام بلدوزر الاحتلال قائلاً لن تمروا… ولم يمروا …كان وحده جاهز لدفع ثمن يهديه لهذا الشعب المحروم وقد أهدانا الجسد والروح والنصر أيضاً فيا أيها الرجل الذي يدلنا على طريق انتصارنا في مرحلة التيه تقف لك شوارع الوطن احتراماً وعرفاناً براياتها المرفوعة لأنك لم تسمح للصولجان أن يسقط .. ولم تسمح بأن ننهزم ..!!