عن صفقة القرن
كتبت ريما نزال
النكبة الثالثة. صوتٌ كريه يتردد صداه خارج البيت الأبيض، أكثر أصوات القرن كراهية يطلق على الملأ برنامجاً عنصرياً يتخذ لنفسه اسم الصفقة وفاء لمنهج صاحبها، على أساس من كونها اتفاقاً ثنائياً، له تبعات تجارية ومالية يتعهد بموجبه كل طرف الإيفاء باستحقاقات مترتبة عليه. بضع دقائق يستغرقها الإعلان قبل أن يصنع الكلام وقائع على الأرض، كفلت تدمير الدولة التي قُبِلَت عضواً مراقبا في الأمم المتحدة قبل أعوام قليلة. خارطة فلسطين الجديدة ذات المساحة البالغة 6220 كيلومتراً مربعاً، عداً ونقداً.
مرة أخرى، يَهَب من لا يملك من لا يستحق الأراضي التي يحتاجها لأغراضه التوسعية والأمنية. الوعد الترامبي الجديد يعلن عن طيّ مرحلة “أوسلو” بعد استنفاد جميع أغراضها وأهدافها ومحدداتها، الحلول التدرجية والانتقالية، ينهي تقسيم المناطق المسماة أ ب ج ومواصفاتها المراعية تقسيم الصلاحيات والمسؤوليات، الإدارية والأمنية.
وعد ترامب يأخذ بطريقه أهم معالم اتفاق “أوسلو”، مُمَثّلاً بالتفاوض على قضايا الحل النهائي بعد انتهاء المرحلة الانتقالية عام 1999: التفاوض على وضع القدس والاستيطان واللاجئين والحدود والمياه، وهي قضايا عملياً تم رسم وقائعها ووضعيتها النهائية على الأرض بالجرافات والبلدوزرات، علاوة على ما مهَّد له ترامب سابقاً قبل إعلانه الأخير عن الصفقة التي جاءت في لحظة سانحة يحتاجها بقوة حليفه الإسرائيلي المنتشي بالصفقة؛ “نتنياهو”.
لقد مهد معتوه البيت الأبيض للصفقة عبر نقل سفارة بلاده الى القدس وتحديد عدد اللاجئين ومواصفاتهم، ومهد لصفقته عن ضم الاراضي في مناطق الاغوار. لم يتبقَ شيء للمرحلة النهائية لاتفاق أوسلو، تجاوز “أوسلو” عملياً.
مرحلة تم طيّها ومرحلة جديدة تبدأ، ذات عناوين قديمة جديدة واضحة وضوح الشمس، ستضيف إلى السيطرة والهيمنة على الأرض استعباد الفلسطينيين. عزل الفلسطينيين المقيمين ضمن ثلاث معازل تربط بينها شوارع ضيقة، وقد يتفتق الفكر العنصري عن نصْب بوّابات متحركة على أبواب المناطق، تُفتح وتُغلق..
المرحلة الجديدة لن يمضِي وقت طويل قبل أن تتضح تبعاتها الانسانية على الأرض، لدى تبلور الخارطة الخرافية التي تمخضت عنها الصفقة بعد إعمال الآليات والجرّافات والبلدوزرات والقوانين الكفيلة بذبح الأرض وتواصلها، قضماً وقرضاً وهبشاً وعزلاً. لدى ظهور وتبلور ما لم يتم تناوله في الصفقة بشكل مباشر لكنه مستهدف من قبل العقل العنصري للاحتلال، تبعات تطبيق عناصر الصفقة وتداعياته على الهوية الفلسطينية الجامعة.
ردود الفعل الشعبية على الصفقة وتبعاتها القادمة على الأرض والانسان دون المستوى والمخاطر، وهذا الحُكم الاولي لا أظلم فيه احداً، ليس متسرعاً، بل مُتفهم تماماً للأسباب المعروفة والتحولات التي ظهرت على الحركة الجماهيرية، وغياب خطة استراتيجية نضالية مقاومة بعيدة عن استخدامات اللحظة، وإنتاج حالة معنوية بائسة وفجوة عازلة مع القيادة بسبب الانقسام والأداء. على القيادة أن تدق جدران الخزان قبل الشعب.
الصفقة السخيفة ليست قدراً لا يُرَد، ولكن من يريد مواجهة الصفقة عليه ان يفعل الكثير الكثير لكي يستجمع عناصر القوة الفلسطينية المبددة والمشتتة، وقبل ذلك لا بد من إعادة النظر بالأداء والمصداقية من جانب على صعيد ترجمة الاقوال إلى أفعال، حيث لا زال المجتمع ينتظر المقابل لتحديد العلاقة مع الاحتلال المتخذة سابقاً، وينتظر ترجمة واضحة لإعادة النظر بوظائف السلطة، ومعرفة من تخاطب قيادة المنظمة بخطابها حول صفقة القرن؛ ومن وماذا تستهدف: هل التهديد والتلويح أم الخروج جدياً من المسار؟!
ومن نافلة القول ان مواجهة الصفقة وطيّ صفحة “أوسلو” أيضاً يقتضي إعادة النظر بالبنى القائمة وبأدوات العمل، ويتطلع المجتمع إلى تنظيم الخلاف السياسي وتأطيره وعدم الاستفراد بقرارات رئيسية لمواضيع أساسية كالخيارات النضالية. الطريقة التي يتقاذف ويتفاضح بها المنقسمون مؤذية بتقلباتها وتوتراتها. لقد ارتاح المجتمع لحضور أحزاب من خارج منظمة التحرير اجتماع القيادة يوم إعلان الصفقة، لكن الجميع متشكك بالخطوة ومآلاتها ولا يوجد لديه الثقة بمصداقيتها بسبب التجارب السابقة.
كما يقتضي، تغييراً جوهرياً في الأدوات النضالية وتجديدها، وتغيير أشكال التنظيم بما يخدم تسهيل ولوج الفئات الشبابية الى القيادة، بعيداً عن عقلية التغيير الانقلابي.
ويقتضي نهاية، إعادة العلاقة مع الشعوب العربية الرافضة للصفقة، على أرضية تقييم واضح المعالم بشأن ضلوع وتورط أنظمة عربية في الصفقة وغيرها من المشاريع التصفوية والتطبيعية.