“كدمات الحجر” تُغطي أجساد نساء بغزة!
كتبت تمام محسن
في أواخر آذار/ مارس الماضي، أطلقت “إيمان الخطيب” صفّارة إنذارٍ بشأن أوضاع النساء في ظل فترة الحجر الصحي الذي باتت معظم الدول تفرضه، لمحاصرة جائحة “كورونا”.
ظهرت إيمان المقيمة في الأردن في بثٍ مباشر على صفحتها الشخصيّة، تستغيثُ لإنقاذ حياتها التي قالت إنها “معرضة للخطر” من قبل عائلتها :”أنا اليوم كان رح يتكسر وجهي، أنا اليوم كنت رح انقتل.. ولمّا لجأت للشرطة ما قدرت أوصللهم، يعطيهم العافية مشغولين بقصة كورونا”.
قصة إيمان، هي واحدة من مئات قصص العنف المنزلي التي طفت إلى السطح خلال فترة الحجر، والتي أطلقت الأمم المتحدة، والعديد من المؤسسات النسوية تحذيراتٍ قويةٍ بشأنها مع ارتفاع عدد الحالات التي تعرضت له مؤخرًا.
الأمين العام للأمم المتحدة، وجه نداءً عالميًا لحماية النساء والفتيات في المنازل، خلال فترة الحجر الصحي، “التي تفرض على المرأة التواجد مع معنفها طوال اليوم”.
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، كان قد وجه في الخامس من نيسان/ أبريل الماضي، نداءً عالميًا لحماية النساء والفتيات في المنازل، في الوقت الذي يتفاقم فيه العنف المنزلي والأسري، خلال فترة الحجر الصحي، “التي تفرض على المرأة التواجد مع من يعنفونها طوال اليوم، لا سيما لو كانوا من أفراد العائلة”.
وعلق غوتيرش قائلًا: “للأسف، بالنسبة للعديد من النساء والفتيات، إن أكثر مكان يلوح فيه خطر العنف هو المكان الذي يُفترض به أن يكون واحة الأمان لهن. إنه المنزل. ولذا، فإنني أوجه نداءً جديدًا اليوم من أجل السلام (..) في المنازل، في جميع أنحاء العالم”.
وتوقعت الأمم المتحدة، في تقريرٍ آخر نشرته نهاية نيسان المنصرم، حدوث 31 مليون حالة إضافية من العنف الجنسي، إذا استمر الإغلاق لمدة ستة أشهر أخرى، مشيرة إلى أنه مع كل ثلاثة أشهر إغلاق، من المتوقع حدوث 15 مليون حالة إضافية.
وفي فلسطين، حذر حراك “طالعات”، وهو حراكٌ نسوي فلسطيني، في نيسان الماضي أيضًا، مما قد تواجهه النساء الفلسطينيات من تزايد العنف بحقهنّ في ظل إغلاق المدن، وفرض الحجر المنزلي عليهنّ.
وتجد الكثير من السيدات الحجر المنزلي “كابوسًا حقيقًا” حيث يتم حبسهن مع شخص يمارس العنف الجسديّ أو النفسيّ أو حتى الجنسيّ عليهن بصورة دائمة.
“منذ بداية الحجر الصحي يلازم زوجي المتعطل عن العمل المنزل، وهذا ما يجعلني وأطفالي هدفًا لفورات الغضب والعنف اللفظي المتكرر من قبله”.
تقول وداد.أ (42 عامًا): “منذ بداية الحجر الصحي يلازم زوجي المتعطل عن العمل المنزل، وهذا ما يجعلني وأطفالي هدفًا لفورات الغضب والعنف اللفظي المتكرر من قبله منذ بداية الأزمة”.
وتضيف باتصالٍ هاتفي أجرته معها “نوى” :”طول الوقت بيشتم وبيكسّر في البيت، قبل الحجر كان يطلع من البيت، لكن الآن ملازم للبيت 24 ساعة، وأيام الصيام جعلت الوضع معقدًا أكثر”.
تفضل وداد وهي أمٌ لخمسة أبناء، الصمت على حالات التعنيف اللفظية والجسدية المتكررة، عن طلب المساعدة من المؤسسات المعنية، وتقول: “ليس لي إلا الصبر حتى تنفرج الأزمة، من أجل الحفاظ على عائلتي”.
مثلها تمامًا، ياسمين، الأم لثلاثة أطفال، التي تؤكد أن وتيرة العنف ضدها ارتفعت كثيرًا خلال فترة ما بعد إعلان الطوارئ، عندما اضطر زوجها عامل البناء إلى المكوث في المنزل فترةً طويلةً من الزمن، قبل أن تعود الأوضاع إلى مجرياتها قبل عدة أيام.
“خلال تلك الفترة، تعرضتُ للضرب والإهانة كثيرًا، كانت الكدمات تنتشر في جسدي، وإذا سألني أحد عنها أختلق القصص لإنقاذه، من باب مواراة الفضيحة أولًا، ولأنني لا أريد أن أخرب بيتي بيدي
تقول: “خلال تلك الفترة، تعرضت للضرب والإهانة كثيرًا، كانت الكدمات تنتشر في جسدي، وإذا سألني أحد عنها أختلق القصص لإنقاذه، من باب مواراة الفضيحة أولًا، ولأنني لا أريد أن أخرب بيتي بيدي إذا علم بأنني شكوته لأحد”، متابعة: “كان يمد يده قبل الحجر بطبيعته، لكن فترة تلاقينا كانت قليلة، ناهيك عن خروجه إلى البحر بعد عودته من العمل للسهر مع أصدقائه، أما خلال فترة الحجر، فالوضع كان جحيمًا، وجهه في وجهي، لا يوجد مال، لا يوجد بحر، ولا أصدقاء”.
وتُبين ياسمين، أن قلة الدخل الذي كان يحصله خلال فترة الحجر، وتوقف أعمال البناء عند كثير من المواطنين، كانت سببًا في شعوره بالضيق، “وكنتُ أنا التي يفرغ فيها غضبه، فهو يعلم جيدًا أنني سأتلقى قهره وأصمت”.
تهاني قاسم، المنسقة في مركز “حياة” لحماية وتمكين العائلات في غزة، التابع لمركز الأبحاث والاستشارات القانونية والحماية للمرأة، قالت: “إن النساء في ظل الحجر المنزلي يواجهن أعباءًا إضافية، فالمرأة تتحمل مسؤولية وأعباء المنزل والأولاد والزوج، ناهيك عن مسئوليات أخرى إضافية ناجمة عن الوضع الحالي، مثل المتابعة مع أبنائها في التعليم الإلكتروني بعد إغلاق المدارس، ومتابعة نظافتهم وتعقيم المنزل بشكل مضاعف عن السابق”.
“نتلقى اتصالات يومية، من نساء يشتكين الضغط النفسي الذي أصابهن في ظل ظروف العزل المنزلي (..) الأزمة هنا مركبة في ظل الفقر والبطالة، أضف إلى ذلك العنف”.
وتضيف: “نتلقى في المركز اتصالات يومية بشكل كبير، من نساء يشتكين الضغط النفسي الذي أصابهن في ظل ظروف العزل المنزلي (..) حقيقةً الأزمة هنا مركبة في ظل الفقر والبطالة، أضف إلى ذلك العنف”.
لكن قاسم تؤكد أنه لا يمكن الجزم -على وجه الدقة- بشأن تصاعد العنف الموجه ضد النساء في هذه الأوقات، معقبةً: “قطاع غزة لم يشهد إغلاقًا كاملًا كباقي الدول، ولا يمكن إعطاء أرقامٍ منفردة عن باقي المؤسسات المعنية بقضايا المرأة”.
وتابعت: “نحتاج إلى دراسةٍ تشمل كل المؤسسات النسوية في القطاع، حتى نستطيع الإقرار بتصاعد العنف أو لا، لكن هذا لا يعني أن العنف غير موجود”.
ولفتت إلى أن الثقافة المجتمعية لا تنظر إلى العنف الذي يقع على المرأة بأنه عنف، “بل يجري النظر إليه باعتباره سلوكًا طبيعيًا”، مشيرةً إلى أن حصر النساء المعنفات، في القطاع، ليس بالأمر الهين “فقليلات من النساء المعنفات يبحن يما يتعرضن له، وعدد قليل منهن يمتلكن الشجاعة للتقدم بشكوى إلى مراكز الشرطة، أو طلب المساعدة من المؤسسات المعنية”.
تجدر الإشارة إلى إن إحصاءات جهاز الإحصاء المركزي للعام 2019م، تشير إلى أن 23% من النساء المتزوجات في الضّفة وغزّة تعرضنّ للعنف الجسدي من قبل أزواجهن، وأن 30% من غير المتزوجات تعرّضن للعنف الجسدي على يد أحد أفراد أسرهنّ.