كي لا نغرد خارج مسار المسؤولية الاعلامية والوطنية
غريب أننا حتى اللحظة نراوح أماكننا في سياق التغطية الإعلامية وخطابنا الإعلامي المحلي والدولي، لا زلنا لم نأخذ بالممارسات الفضلى للتغطية الإعلامية والانخراط الحقيقي فيما يجب أن يكون، خطوط عريضة ونهج واضح للتغطية الإعلامية مفقود حتى الآن، وجل اعتمادنا على الفروق الفردية والوعي الفردي فحسب، وأحيانا كثيرة تشكل الإخفاقات فيها أكثر مما يجب، بل أن الأخطاء المرتكبة أصبحت هي الغاية والهدف والوسيلة بدلا من توجيه قوة الخطاب الإعلامي لكشف الحقائق، والتأكيد على ممارسات الاحتلال غير الإنسانية وغير القانونية..!
لم يعد بإمكاننا فصل الاعلام الاجتماعي وأدوات السوشيال ميديا أيضا عن كونه مؤثر ومهيمن في بعض الأحيان وتحديدا في تكرار الإعادة والنشر والوصول لفئات وقطاعات كبيرة من الجمهور المحلي والعربي على الأقل، وهنالك الكثير من الإخفاقات إنما مصدرها السوشيال ميديا، وربما أيضا لديها الكثير من النجاحات في سياقات أخرى.
بالأمس القريب وفي التصعيد الإسرائيلي الأخير على غزة كسر الاعلام ظهرنا مرتين:
القضية الأولى:
حين قتلت امرأة حامل وطفلتها وبدلا من تكثيف الاعلام المحلي والعالمي باتجاه كونها جريمة حرب، كونها امرأة وحامل وتم استهدافها في منزلها الآمن مع عائلتها ليلا بينما هم نيام، وبدلا من التركيز على ابراز الجانب الإنساني، أخذنا نركض خلف نشر صورة لطفلة مشهورة أمريكية بدلا من صورة الطفلة الشهيدة، وكلما اجتهدنا لمن يواصلون نشر الصورة الخاطئة عن جهل أصروا أنهم أخذوها من آخرين في فلسطين، وبالتالي تاهت المعركة لكوننا نحاول اقناع المناصرين لقضيتنا بأن الاستخدام الخاطئ لصورة طفلة مشهورة لا علاقة لها بفلسطين سقطة كبيرة ومدوية في الاعلام، لأن الاعلام الإسرائيلي والغربي سيتناولها مباشرة بتفنيد الرواية كلها واستخدامها في تكذيب الرواية الفلسطينية، وهنالك بعد انساني آخر فعدم التأكيد بنشر صورة الطفلة الشهيدة الصحيحة هو أمر قاسي جدا فإكرام الشهيدة الطفلة هو بتأكيد هويتها، واحترام من تبقى من عائلتها وخاصة والدها الذي يراوح بين الموت والحياة في المستشفى..
القضية الثانية:
وهي استهداف وتدمير مبنى سعيد المسحال الثقافي فبدلا من توجيه قوتنا الاعلامية والخطابية من إعلاميين وغيرهم من كافة الفئات كونه مركزا ثقافيا يخدم الجيل الشاب ويسعى لتعزيز الثقافة والهوية الفلسطينية الوطنية، فتجد أن السجال كان متركزا على سبب القصف وانقسم المنظرون إلى قسمين أحدهما رأي المركز الثقافي هو المستهدف ضمن استهداف الثقافة الفلسطينية وسبقها قصف المكتبة الوطنية الفلسطينية وقرية الفنون والحرف وغيرها.. والقسم المنظر الآخر أصر أن الاستهداف إنما هو لمكتب الجالية المصرية في رسالة سياسية واضحة من الاحتلال إلى مصر، ونفي رواية القسم المنظر الأول؟؟!! بالإضافة لثلة من اللاوعين الذين اعتبروا القصف للمركز الثقافي أمر جيد كونه مركزا يدعم الحرية والفنون، ورغم أنها أصوات قليلة قد لا تذكر، لكن في كل مرة تفتتنا الأصوات النشاز ونترك القضية الجوهرية ونركض بعاطفتنا هنا وهناك بل وأصبحنا لقمة صائغة من السهل تسييرها والتحكم فيها.. والله أمركم غريب والأغرب أننا لا نتعلم أبدا من الدروس المستفادة … متى سنفكر استراتيجيا ومنطقيا؟؟!! متى سيمكننا أن نخطط ونقدر ونحلل ونبدع في طرق المواجهة في معركتنا النضالية الطويلة؟؟ متى يمكن أن نغير طريقة تفكيرنا وطريقة ردود فعلنا ومتى يمكننا أن نتريث ونفكر بعمق وعقل جمعي كيف يمكن أن نوصل أصواتنا المهمشة دون نعيق ونشاز كي نبقى يدا واحدة.
“إن الحقائق لا تتحدث عن نفسها، بل إنها تتطلب رواية من أجل استيعابها وإدامتها” هذا ما قاله الكاتب الفلسطيني إدوارد سعيد
ما يعني أننا بحاجة للتحلي الدائم بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية أثناء التغطية الإعلامية الرسمية أو غير الرسمية، كل من لديه الوقت والقدرة للوصول لجمهور محلي أو عربي أو دولي عليه أن يتحلى بالدقة والوعي، لما يرغب بنشره حتى لو كان رأيا شخصيا يمكنه التعبير عنه لكن عليه أن ينتبه لعدم المساهمة بحرف البوصلة عن القضية الرئيسية، فالأصل في القضية الأولى نشر معلومات صحيحة ودقيقة واستخدام الصورة الصحيحة، وحتى في حال حدوث خطأ يجب على الأقل التحلي بتصحيحه وعدم تجاهله كي لا يكون بابا للتحريف والاستخدام من أطراف أخرى، وفي القضية الثانية حدث القصف فعليا وأحدنا لا يمكنه محاورة الاحتلال وسؤاله عن هدفه من القصف.. الثقافة الفلسطينية أم مبنى الجالية المصرية..؟!.. كلها اجتهادات للجميع وليس بالضرورة أن ينتصر أحد لرأي دون آخر…! يجب التركيز في الحدث نفسه بل واستثمار كلا الرأيين في التأكيد على أنها جريمة بحق الانسان والثقافة والتمثيل المصري غير الرسمي، وكلها رسائل يتوجب التقاطها لا الانقسام بين فريقين وترك فعل وجريمة القصف والتدمير.!.
يتوجب علينا دوما أن نذكر فقد تصل الكلمة وقد تتولى الجهات ذات العلاقة من نقابة الصحافيين ووزارة الاعلام والمؤسسات الإعلامية وغيرها العمل الجاد والدؤوب.. وأن تأخذ على عاتقها أولوية التوعية للإعلاميين وغير الإعلاميين، وأن تضع برامج متكاملة وتعزز من ثقافة الحوار، والتفاكر، والاستفادة من المساقات الخاصة بأخلاقيات العمل الصحفي والتشبيك مع الوكالات والتجمعات الصحافية للتأكيد على نهج اعلامي سليم يرتقي في مسار النضال المستمر وهو إحدى المحطات الأكثر أهمية.
لدينا قضايا عادلة وشواهد لجرائم إسرائيلية ومعلومات وحقائق ويتجلى البعد والعمق الإنساني فيها.. فلماذا لا يمكننا توظيفها جيدا لخطاب محلي وآخر عالمي، يجب الارتهان للحكمة والمهنية والمنطق وترك العاطفة المبالغة والتأجيج والتهويل وفقط الاحتكام للدقة والموضوعية والمهنية.
مؤلم أن نذكر في كل مرة وفي كل إخفاق اعلامي ما يجب أن يكون، لكنه ملهم أيضا لمن نجحوا وأخذوا على عاتقهم التغطية الإعلامية من باب المسؤولية الاجتماعية والمهنية والوطنية ولم يتركوا عاطفتهم تحركهم، لدينا الكثير من النماذج القوية والملهمة وعلينا أن نتطلع دوما للتحسين والرقي بالتغطية الإعلامية في كل المحافل وعلى كل المستويات، فمعركتنا الإعلامية طويلة وتحتاج للغة المنطق والموضوعية فرسالتنا سامية بقدر قضيتنا.