هذا الآذار متشح بالأمل رغم الحزن العميق
لست بصدد وضع أرقام واحصاءات عمن فقدناهن في غزة قبل سبعة أشهر، فقد قتلن بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولم يشهدن هذا الآذار معنا وربما أغلبهن لا يعرفن أن هنالك يوما احتفالا يكرس الدعوة للنهوض وتفعيل قضايا النساء وانصافهن، وإذا عرفن بعد رحيلهن فما الجدوى أن يعرفن أن من حقهن الحياة وأن ما تعرضن له من قتل اجرامي كان انتهاكا صارخا لحقوقهن كإنسان ومخالفا لكافة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وانتهاكا صارخا وأمام مرآى العالم بأكمله سلب منهن حياتهن وجعلهن أرقاما ترصدها المؤسسات ونتداولها في معرض حديثنا عن النساء المنتهكة حقوقهن.!!
ولكن بصدد حث التفكير مع كل المناضلات اللواتي نذرن حياتهن للدفاع عن قضايا وحقوق المرأة أن هنالك المئات اللواتي آذتهن الحرب وأفقدتهن اتزانهن وغيرت مسار حياتهن تغييرا مطلقا فبعد أن كن قادرات على العيش في أسرهن غدون إما معاقات أو بحاجة لمساندة ومساعدة في إكمال حياتهن، وباتت طريقهن محفوفة بالمخاطر والوجع، إنهن يعانين بصمت فيعد عشرات الصور واللقاءات الصحافية أغلقت أبوابهن عليهن، وصلتهن بعض المؤسسات في خدمات ومساعدات لكن ذلك ليس كافيا.
هنالك مئات وآلاف النساء الفلسطينيات اللواتي يعانين آثار العدوان الإسرائيلي على مساحتهن الخاصة ففدن أبناء أو أزواجا أو آباء وبعضهن فقدن بيوتا وغدون بلا سقف آمن، فقدن الشعور بالأمان وأصابهن العدوان الإسرائيلي في الصميم، فهن من يتحملن مسؤوليات أسرهن ومسؤوليات أنفسهن، إن بقاء هؤلاء النساء وحدهن والاهتمام الأكبر بالخدمات العينية ليس كافيا بل هو واجبنا جميع تجاه هؤلاء النساء، إلا أن الأهم هو كيف نساندهن لإكمال حياتهن ودعمهن النفسي والاجتماعي والاصغاء لهن ولأصواتهن، هذا ما يتوجب أن نسعى جميعا للعمل عليه وهي مهمة شائكة وقاسية في ظل هذا الوضع المهترىء سياسيا واجتماعيا واقتصاديا لكن هذا ليس مبررا لنتوقف بل هنا نقطة الانطلاق.
إن آذار ليس إلا تذكيرا لنا بمسؤولياتنا تجاه النساء، ليست مسؤولية عمل، بل مسؤولية نسوية إنسانية خالصة قبل أي شيء، إن نقلنا لصوت هؤلاء النساء غاية في الأهمية، وتعبيرنا عن معاناتهن بصدق وشفافية بدافع مساندتهن وتقويتهن هو السبيل الأوحد لنا كي نرفع عن أنفسنا الشعور بالعجز دوما.
هنالك العشرات من الأفكار التي تمكننا من مساندتهن ليس بالمال ولا بالخدمات بل بأن يشعرن أنهن لسن وحدهن في الميدان وأن هنالك من يفكر ويسعى لمساعدتهن والاصغاء لهن، يجب أن يكون آذار دوما ذلك الجرس الذي يقرع ليعيدنا مرة أخرى لنقطة البدء كي نجدد طاقتنا ونجدد قوتنا ونسعى لتنقية أهدافنا وتوجهنا مرة أخرى لصالح المرأة الفلسطينية التي تختفي خلف أقمشة وجدران بيتها، وهو مناسبة مهمة لكل النساء ليعملن لترتيب بيتهن النسوي من جديد بعد أن طالته كهولة الأفكار والمساعي، وهو مناسبة ليست احتفالية بقدر ما هي إعادة تسلم المسؤوليات تجاه قضايا المرأة في كافة المجالات، وهو عهد تجدده الناشطات النسويات مرة أخرى وتسمح لهن بإعادة تقييم جهودهن وبوصلتهن.
وفي فلسطين وجب علينا أن نرفع صوت الراحلات عاليا والناجيات من الموت وجب علينا أن نقف إلى جانبهن ونحيي فيهن الحياة مرة أخرى، ربما الحزن يغلف قلوبنا في هذا الآذار لكنه أيضا يمدنا بالأمل لمن نجوا بأن نزرع الأمل من عطاءهن ونقبل رؤوسهن المغبرة وننحي احتراما وتقديرا لبقاءهن أملا.