ورقة عمل بعنوان / دور المرأة الفلسطينية في المشاركة السياسية
دور المرأة الفلسطينية في المشاركة السياسية
الباحث رامي مراد
تسعى الورقة الى عرض دور المرأة في المشاركة في صياغة المضامين الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تؤثر على الحيز العام في شكله السياسي المعبر عن هذه المضامين والمكونات ومدى تأثر المرأة بفعل هذه الظروف العامة.
تحالول الورقة الوقوف الى أي حد استطاعت المرأة أن تقوم بادوار لا تقتصر فقط على مساندة غيرها بل تساهم الى حد ما في دعم وترسيخ دورها الذاتي باعتبارها لاعب أساسي في عملية الدفاع عن المصالح الخاصة بها كبنية، وبحيزها الذي تعمل به من إعادة الاعتبار للمكون الاجتماعي – الاقتصادي – السياسي الذي تساهم به في مرحلة معينة حسب حاجتها، وحسب الظرف الذي تسعى بالمشاركة إلى تحسينه أو تعديله أو الوصول إليه.
بمعنى أن تأثير المرأة في الحياة العامة ومشاركتها السياسية له بعدين الأول يتمثل في مشاركتها غير المباشرة من خلال خبرتها الاجتماعية ومساهمتها الاقتصادية، والثاني في الدور السياسي المباشر في النضال والانخراط في الأطر والحساسيات السياسية، ويتم ذلك من خلال الاعتماد على منهجي التاريخي والوصفي التحليلي.
أوجه الإسهام السياسي للمرأة الفلسطينية:
تعتبر مشاركة النساء في الحياة السياسية من التغيرات المهمة التي طرأت على واقع المرأة العربية بشكل عام، بالرغم من تواضعه وبطء درجة تغيره، حيث أن الواقع السياسي ينطوي ليس فقط على مشاركة مختلف جوانب الحياة السياسية، وإنما أيضاً المشاركة في صنع القرار المرتبط بالقضايا المجتمعية العامة والقضايا الخاصة بمصالح الفئات الاجتماعية المختلفة ومن ضمنها المرأة، كذلك فإن المجال السياسي يعتبر الأهم بسبب ارتباطه بالأبعاد الأخرى التعليمية والصحية والاقتصادية التي تعني المرأة مباشرة.
فيما يتعلق تحديداً بالمرأة الفلسطينية فقد ترافقت بقدر أكبر أوجه الاسهامات السياسية لها مع التشكل الكياني السياسي الفلسطيني، فالدور قبل نشاة المنظمة تمايز نسبيا عن ما قبلها وكذلك منذ دخول السلطة الوطنية الفلسطينية وتبدل مضامين الصراع السياسي وتعدد ابعاده شهدت تغيرات نوعية على طبيعة دور المرأة وحضورها السياسي، فمن المرأة المناضلة والمشاركة في تشكيل الوعي والهوية والكيان الى المرأة المسيسة والمحزبة، الى المراة التي تنتظر تلقي الكابونة والمساعدة الاجتماعية، ولكن من المعروف في التعاطي مع قضية المشاركة السياسية فانه يتم التطرق الى المشاركة باشكالها العلنية الرسمية والقنوات المتعارف عليها كالمشاركة في الانتخابات وفي المراكز القيادية ومراكز التأثير المباشر في عملية صناعة وصياغة القرار.
موقع المرأة من خريطة القوى المجتمعية الفلسطينية:
بالرغم من تشابه أوضاع المرأة في العالم العربي والعالم الثالث، مع المرأة الفلسطينية في الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما تجمع بينهما من تأثيرات يحدثها المجتمع والظروف المتشابهة في سياق التراجع والتهميش الذي تعاني منه المرأة والمجتمع ككل، كما أن الاشكاليات التي ترافقت مع حقبة الاستعمار، وفيما بعد بناء دولة الاستقلال العربية، ومعيقات التنمية، تشابهت إلى حد كبير بين مختلف الأقطار العربية، وكانت فلسطين جزء منها، فلا تزال المجتمعات العربية تعيش زمنا حبيسا للماضي، ولا يزال وضع المرأة شديد التراجع، فما زالت تتعرض للكثير من الممارسات الاستبدادية والتهميش، والأسباب كثيرة ومتنوعة تعبر عن طبيعة التطور المحتجز الذي ما زالت تعيشه المجتمعات العربية، حيث أسهم هذا الوضع في ضعف فرص التعليم، وارتفاع نسبة الأمية في أوساط المرأة، وحرمانها من العمل خارج المنزل، وعدم مشاركتها الفعلية في الانتاج الاقتصادي والضعف الشديد بالنسبة لمشاركتها في العمل السياسي العام، من خلال الاحزاب أو الحركات السياسية القائمة، وكل هذه العوامل تعزز حالة فقدان الشعور بالذات المستقلة أو ما يسمى بالاغتراب الذاتي عند المرأة.[1]
كما ان التجربة الفلسطينية افرزت علاقات متغيرة، وقضية المرأة الفلسطينية شهدت مفارقات عديدة نتيجة للتداخل الحاد بين الاعتبارات التي تعني بشأن المرأة، وتؤثر في حياتها وسلوكها ومن ثم حدود دورها وتأثيرها، كما ان الاعتبارات الخاصة بواقع الاحتلال وغياب الدولة، وتجربة اللجوء والثورة، والمقاومة الشعبية، افرز ادوار متعددة للمرأة الفلسطينية، ومنحها هوية خاصة، لكنها ليست مثالية او مكتملة فهي في حالة صراع دائم مع مقومات وشروط راسخة تتعامل معها المرأة تؤثر وتتأثر بها.
الحالة الفلسطينية: دور خاص
حدثت طفرة أو ثورة في المفاهيم والممارسات المتعلقة بالمرأة في العالم ككل مع بداية ظهور حركات التحول الديمقراطي في أوروبا، والعالم بشكل عام، ووجود نخب ليبرالية دافعت عن المفهوم الجندري في التعامل مع المرأة، وترافق ذلك مع الثورات في مجال العلم والتكنولوجيا، وانفتاح الشعوب على تجارب غيرها، وانتشار التعليم، وقد تلقت الدول العربية ودول العالم الثالث بشكل أعم الكثير من هذه الموجات مع التباين في درجة تأثيرها على هذا المجتمع أو ذاك، ولكن هناك تغيراً ملحوظاً على مستوى الفهم والممارسة خصوصاً في الجانب الحقوقي والاقتصادي في التعاطي مع قضية المرأة، وقد كان تحرير المرأة في العالم الثالث موضوعاً رئيسياً للعديد من المؤتمرات والندوات والبرامج الدولية التي عملت على صياغة استراتيجيات وسياسات تدخلية وتوزيع أدوار وتعزيز دور المجتمع المدني للبحث عن السبل الكفيلة بنهوض المرأة، ولكن بقي هذا التطور الحاصل في العالم العربي يحكمه اعتبارين أساسيين:
الأول: اقتصار هذه التغيرات الطفيفة على نخبة أو طبقة معينة دون ان تمتد بشكل عمودي إلى قاع المجتمع، خصوصاً المرأة الريفية التي بقيت خارج التطور الحاصل في المدينة أو الحاضرة العربية.
الثاني: لم تمتد هذه التجميلات لقطار بنية الثقافة المجتمعية العربية القائمة على التمييز وعدم المساواة، وتعيد البناء التحتي لقوام الثقافة والعادات والتقاليد التي تميز ضد المرأة والتي ترسخت مع مرور الوقت في ذهن وممارسة المجتمع ككل.
لذلك بقي حال المرأة العربية حبيس هذا التطور، وبالرغم من جدية بعض المشروعات والحركات إلا أن الممارسة الديمقراطية ووجود النظم السياسية المكتملة وبناء عقد اجتماعي جديد، خصوصاً في دولة الاستقلال بقي رهين نخب سياسية وعسكرية بعينها، ولم تكن مقدمة لبناء مجتمع عربي ديمقراطي سليم يتعاطى مع المتغيرات بعقلية منفتحة وتشاركية، بل على العكس من ذلك، رغم التطورات الحاصلة في العالم بشأن قضية المرأة قابلها ارتداد في العالم العربي لأفكار سلفية، أدت إلى المزيد من التراجع والتدهور في مستوى مشاركة المرأة، حيث ترافق التطور الحاصل في الغرب مع نمو لتيار الاسلام السياسي في العالم العربي والذي يرتكز بمفهومه حول المرأة الى الدور الانجابي والتربوي والمنزلي باعتبار ان المرأة هي المربية والام والزوجة التي يفترض بها الطاعة، مما عمق من تراجع لشكل وحجم المشاركة السياسية للمرأة، ولكن بمراجعة بسيطة لما جرى في الحالة العربية نلحظ تناقض رئيس ترافق مع نمو تيار الاسلام السياسي يتعلق بزيادة كبيرة لحجم المشاركة السياسية للنساء لكن بقيت هذه الزيادة حبيسة الاستغلال لصوت النساء باعتبارهم اصواتا انتخابية احدثت فارقا مهما لصالح الاسلام السياسي.
تشترك المرأة الفلسطينية مع نظيرتها العربية في الأصول المشتركة للتنشئة الاجتماعية بغض النظر عن الخلفية التاريخية في المسار السياسي لأنظمة الحكم أو التفاوت في المستوى العلمي لفئة عن أخرى، أو المستوى الاقتصادي الذي يصنفن ضمنه، حيث هناك تشابهاً نوعياً على مستوى المشكلات وتحديد الأدوار لمواجهتها، وإن تفاوتت درجتها من مجتمع لآخر، لأن هناك اشتراك في النسق القيمي للمجتمعات العربية مرتبط أحياناً بالفهم الخاطئ والتفسير الملتبس لبعض النصوص الدينية، وأحياناً الخضوع لذات الأعراف والتقاليد والعادات التي تضع المرأة في العالم العربي ضمن إطار موحد باعتبارها تابعاً للرجل، وأنها الضعيفة التي بحاجة دائمة لوصاية ورقابة الرجل، واستمرار تكريس لثقافة التمييز تجاهها من كل جوانب الحياة كالملكية والسيطرة على وسائل الانتاج والدخل، والمشاركة في الحياة الثقافية وممارسة القوة والسلطة السياسية، ويدل على ذلك جميع المؤشرات الاحصائية التي تسجل التفوق لصالح الرجال في كافة المجالات وتعكس تدني مشاركة المرأة.[2] وعدم المساواة خصوصاً في تقارير التنمية البشرية الصادرة عن العالم العربي والتي تعكس الوضعية الصعبة للمرأة العربية، وما يستنتج من تلك التقارير، انه بالرغم من التغيرات الحاصلة على مساحة المشاركة وعملية التحول الديمقراطي، الا ان الارقام بقيت متشابهة الى حد كبير بالعكس من ذلك فهي تزداد سوءا عن كل سنة![3].
وعند البحث في تجربة المرأة الفلسطينية ودخولها معترك المشاركة في الحياة العامة ونيل حقوقها، لا بد من التوقف أمام الظروف السياسية والوطنية الاستثنائية، والتي كان لها دور في صنع الخصوصية حيث ارتبطت تجربة المرأة بتجربة الحركة الوطنية الفلسطينية، فكلتاهما نشأتا في ظروف سياسية ووطنية معقدة، فمنذ بداية القرن الماضي والمرأة الفلسطينية تشارك في معركة الاستقلال الاجتماعي والسياسي عبر تشكيلات مختلفة، فقد كان لطبيعة العدوان والاحتلال الاحلالي القائم على طرد السكان وفرض واقع اللجوء وقعاً كبيرا على المجتمع الفلسطيني، فقد مثلت النكبة شرخاً قوياً في بنية المجتمع الفلسطيني، فوطأة اللجوء أو الاحتلال وحالة المخيم الذي أوجد سوسيولجيا جديدة للمجتمع الفلسطيني بعد النكبة أفرد تجربة المرأة الفلسطينية.
وكما تقول “آمال خريشة”: إن هذه الأرضية التي وجدت أن معظم النساء العربيات ربطن ما بين النضال الوطني من جهة، والنضال الاجتماعي النسوي من جهة أخرى، وأشارت إلى أنه من غير المنطقي التطرق إلى قمع المرأة الاجتماعي خارج سياق مجتمعها القومي، كونها تنتمي إلى شعب كله فريسة للاستعمار، بقدر ما هو من السذاجة المطلقة أن نعتبر نصر حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار نصراً مباشراً للمرأة وقضيتها، حيث أن تداخل القمع القومي والطبقي والاجتماعي وتشابكهما بصورة جدلية وبنيوية مع بعضهما البعض، يظهران بوضوح في حالة المرأة الفلسطينية،[4] ويعطيها مزيداً من الخصوصية ويحملها أدواراً خاصة، ناهيك عن حالة الاحتلال الفريدة التي استهدفت أيضاً مقومات البناء المجتمعي وليس السياسي فقط.
كما أن التداخل بين قضية تحرر المرأة والتحرير الوطني كان عاملاً حاسماً في تشكيل النسوية الفلسطينية، وهو يجري على أكثر من صعيد، يتمثل أكثرها خطورة في التداخل بين محاولة الشعب مواجهة المحتل من خلال صنع الهوية الوطنية القائمة على أساس اللغة والقيم والعادات والدين والثقافة، وبين قيام المرأة بحمل عبء حماية “الهوية الوطنية” حيث تظهر بالخطاب الوطني باعتبارها صانعة الأبطال والمناضلين.[5]
بالرغم من أن وضعية المرأة الفلسطينية الخاصة عانت وما زالت من تركيبة البنية المجتمعية القائمة على الذكورية والنظام الأبوي البطريركي، وتأثر المجتمع بتقسيم أدوار المرأة وإفرادها في المشاركة في الحياة الخاصة دون العامة، وتكبيلها بقيود ثقافية ودينية ومجتمعية عديدة، إلا أن ما يزيد من خصوصية الحالة الفلسطينية، هي استخدام الاحتلال القيم والتقاليد السائدة بعد احتلاله للأراضي الفلسطينية خصوصاً بعد عام 1967، واستخدام الاستهداف الممنهج والضغط والتعذيب بمختلف اشكاله ضد المعتقلات كورقة ضغط على العائلة وإرسال رسالة للفلسطينيات بهدف ابعادهن عن النضال، مما دفع الأهالي للخوف والضغط على الفتيات وتحديد حركتهن خارج نطاق المنزل وإبعادهم عن العمل الوطني والسياسي.
بالمقابل استخدمت الحركة الوطنية الرموز والتقاليد لزج النساء لمواجهة الاحتلال، حيث اعتبرت أن الحفاظ على العادات والتقاليد، يساهم في إبراز الهوية الوطنية التي يحاول الاحتلال طمسها، ولم يتم تناول موضوعات العلاقات الاجتماعية برؤية تقدمية انتقادية تساهم في فلترة العادات والتقاليد، وتعيد صياغة أسس علاقات القوى في المجتمع، بل عمدت كافة الفصائل والقوى لتفعيل المشاركة السياسية للنساء وتوسيع مفهوم المنزل، وإعطائه معنى سياسي بطابع قدسي للعائلة نتيجة دورها في الحفاظ على الهوية الوطنية، بعد هدم كافة المؤسسات الفلسطينية نتيجة الاقتلاع والتهجير.
فبالرغم مما تميزت به المرأة الفلسطينية من دور نشط في المشاركة السياسية قياساً بنظيراتها المرأة العربية نظراً لخصوصية واقع الشعب الفلسطيني، إلا أنها مازالت تشترك معها في التقدم البطيء على صعيد نيلها لحقوقها السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية المتساوية مع الرجل، حيث أن هناك معارضة قوية في المجتمع الفلسطيني تقف عائقاً أمام منح المرأة هذه الحقوق أو تطبيق المقر منها في القوانين والتحايل لسلبها حقوقها استناداً إلى منطق الوصاية والسيطرة الذكورية المتوارث في عملية التنشئة الاجتماعية، لأن عملية التنشئة في المجتمع الفلسطيني قائمة على تلقين الفرد مجموعة من القيم والمعايير ازاء المرأة مستندة إلى مفاهيم تقلل من شأن المرأة ومكانتها، وبالتالي تقف عائقاً أمام تقدير مكانتها وأهمية مشاركتها.
كذلك تأثرت المرأة الفلسطينية دون غيرها سلباً لغياب نظام سياسي ديمقراطي يعنى بتطور المجتمع ويعمل على تفكيك البنى التقليدية والهياكل العشائرية والولاءات العضوية، ويطور منظومة متكاملة من الثقافة التنموية القائمة على فهم وممارسة شروط المواطنة، وهذا ما يسبب غياب المرأة على مستوى صنع القرار.
تتفرد المرأة الفلسطينية بحالة خاصة، لا يمكن حصر هذه الخصوصية ضمن هذا المقام، ولكنها بالمجمل كانت هذه الخصوصية التي ميزت المرأة الفلسطينية تحتوي على المعنى ونقيضه، فالاحتلال وطبيعته الخاصة في فلسطين وسع من خيارات مشاركتها، وأن أشكال النضال الشعبي التي استمرت لعقود أكسبت المرأة الفلسطينية خبرة المشاركة في الحياة العامة، وغياب الدولة فتح المجال أمام تأثيرات الحركات والأحزاب، وأن الظرف الاستثنائي الذي مرت به فلسطين وسنوات الحرب والعدوان وسع من مفهوم مشاركة المرأة، وأصبغ المرأة الفلسطينية بصفة المناضلة، حتى لو لم تخرج من بيتها، إلا أن هذه العوامل مجتمعة ومنفردة لم تقود المرأة الفلسطينية إلى مستوى من الحرية والمساواة ولم تتغلب على القيود التي تكبل حركتها وتطلعاتها، وهذا ما أعطى للتجربة فرادتها الخاصة.
مساهمة المرأة في النضال التحرري:
منذ بداية تبلور الهوية الفلسطينية تشارك المرأة الفلسطينية في معركة الاستقلال الاجتماعي والسياسي عبر تشكيلات وفعاليات وأنشطة ومواقف وأدوار مختلفة ترفد الحالة الوطنية بمقومات الصمود من خلال مساهمتها المباشرة والغير مباشرة في العمل النضالي التحرري، وقد بدأ العمل المتمايز للمرأة الفلسطينية من خلال الجمعيات الخيرية التي شكلت النواة الأولى لانطلاقة المرأة الفلسطينية نحو الاندماج في قضايا مجتمعها الحياتية لتتبلور فيما بعد ونتيجة للظروف السياسية التي مرت بها فلسطين إلى بؤر سياسية عبرت عن نفسها من خلال الاعتصامات والمظاهرات والعرائض وأساليب الاحتجاج المتعددة منذ ما قبل العدوان الصهيوني،[6] بمعنى أن المرأة الفلسطينية كانت دليلاً لوجود الحياة في المجتمع الفلسطيني، وكانت أحد أهم أعمدة مقومات المجتمع والحياة المدنية وتجلياتها التي زخرت بها فلسطين من قبل النكبة بعقود.
كان للظروف التاريخية والسياسية والاجتماعية التي ألمت بالشعب الفلسطيني منذ بدايات القرن، وحتى وقتنا الحاضر دوراً أساسياً في تشكيل شخصية خاصة ومتميزة للمرأة الفلسطينية، ولقد ألقت هذه الخصوصية بظلالها على كافة جوانب حياة المرأة، ومجالات عملها وأدوارها في المجتمع، ولعل بعض المصادر تحدثت عن دور خاص بارز للمرأة الفلسطينية بدأت ارهاصاته منذ أول نشاط سياسي نسائي للفلسطينيات في مظاهرة العفولة عام 1893 حيث خرجت النساء احتجاجاً على انشاء أول مستوطنة يهودية في ذلك الوقت، ولعل أول مبادرة للنساء الفلسطينيات بالخروج المنظم للشارع وهن لازلن خلف الحجاب عام 1920 للمشاركة في المظاهرات الوطنية للاحتجاج على صدور وعد بلفور 1917، وعلى سياسة الانتداب البريطاني بتشجيع الهجرة الصهيونية إلى فلسطين.[7]
كما شكلت معركة البراق عام 1929 نقطة تحول في حياة المرأة الفلسطينية، اذ شاركت بقوة في هذه المعركة الشعبية ووقعت 9 نساء قتيلات برصاص الجيش البريطاني، كما تلت هذه المشاركات مشاركات أكثر نضجاً وتنظيماً مثل: تأسيس أول اتحاد نسائي فلسطيني، وتشكيل وفد نسائي لمقابلة المندوب السامي البريطاني عام 1929، ثم عقد أول مؤتمر نسائي في القدس من نفس العام.[8]
دعت مشاركة المرأة في النضال الفلسطيني إلى تصعيد هذا الدور النضالي وتنظيمه لتغير الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي أحاطت بها، خاصة بعد أن وجدت نفسها أمام مسؤولية مضاعفة ملقاة على عاتقها بعد عمليات الاعدام والاعتقال والمطاردة وهدم البيوت التي قامت بها سلطات الانتداب البريطاني، فنظمت جهودها وجندت كل الامكانيات المتوفرة لديها لمواجهة الظروف المستجدة، فعقدت المؤتمر النسائي الذي انبثقت عنه اللجنة التنفيذية لجمعية السيدات العربيات، ثم أنشئ في العام نفسه الاتحاد النسائي العربي في القدس، وآخر في نابلس، حيث قاما بأدوار متعددة اقتصادية واجتماعية وثقافية ووطنية متمثلة في تنظيم المظاهرات وتقديم الاحتجاجات إلى المندوب السامي وإرسال الرسائل إلى الملوك والحكام العرب.[9]
مع بداية ارهاصات النضال التحرري الفلسطيني من قبضة الاستعمار وصناعة الهوية وإبراز مضامين الحراك الاجتماعي الفلسطيني، ومشاركة النساء في مختلف أشكال النضال التي كانت تضفي صبغة تشاركية وتبرز دوراً طليعياً للمرأة في تأسيس الكيانية المرتكزة على بنية مجتمعية ناضجة تعبر عن تطلعات شعبها بايجابية وتكون شريكاً في مختلف الممارسات، حيث لا تجد مجالاً حكراً على الرجال في هذه البدايات، بالعكس من ذلك كانت النخب السياسية وبالرغم من احتكام المجتمع لاعتبارات الأزمة الخاصة، وما خلفته النكبة من دخول كل المجتمع بكل مكوناته في عملية النضال التي لم تستثني أحد، فكان مجالاً خصباً للمرأة أن تبدع وتشارك وتصنع مضامين هذا النضال وبلورة مفهوم وممارسة المقاومة الشعبية المشروعة.
كما أن الأشكال التنظيمية كانت تعبيراً عن نضوج هذا الدور الذي قامت به النساء ووعي النخبة والساسة بأهمية هذا الدور، حيث الاتجاه بقوة نحو إتاحة الفرصة للتنظيمات النسائية، وخلال الفترة من 1948 وحتى 1967 نشطت المؤسسات النسائية الخيرية كالجمعيات ومراكز الرعاية الاجتماعية، والمشاغل وغيرها في إغاثة الأسر المنكوبة، وإعداد المرأة وتأهيلها مهنياً، لتتوج نضالات المرأة في هذه الفترة بتأسيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية والذي كان فيما بعد أحد أعمدة منظمة التحرير عام 1965، ليكون تنظيماً شعبياً نسائياً يضطلع بدوره الاجتماعي والسياسي بين صفوف النساء في المناطق المحتلة والشتات، وهذا يدلنا على أن الوعي السياسي نشأ في أحضان حركة النضال التحرري الفلسطيني، ونما من خلال مؤسسات مجتمعية أصلاً، فيما وفر إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 بديلاً سياسياً شكل مرجعية للحركة الوطنية الفلسطينية التي نمت في أحضانها الحركة النسوية مما جعلها تلتقي مع استراتيجية منظمة التحرير الهادفة إلى تسييس الجماهير وزجها في النضال الوطني.[10]
ولكن في هذه الفترة وبالرغم من اقتحام المرأة العمل السياسي والكفاحي، وبالرغم من انفتاح مجال التعليم، وبالرغم من خصوصية حالة النكبة التي عصفت بالمجتمع الفلسطيني ككل وما أنتجته حالة اللجوء، حيث تقاسمت المرأة وتجرعت مرارة التهجير القسري الذي مورس على الفلسطينيين طيلة فترة اللجوء من النكبة الى النكسة تضطلع المرأة بأدوار ميدانية.
وكذلك وبالتحاق المرأة بالأحزاب والتنظيمات والحركات السياسية وتشكيل الجمعيات والنوادي النسائية، إلا أنه لم تنظر الأحزاب والتنظيمات إلى أهمية تطور هذا الدور السياسي للمرأة، حيث لم تحتل المرأة أية أدوار قيادية تذكر، كما اقتصرت المؤسسات النسائية على النشاط الاجتماعي، ولم تكن لها أية نشاطات سياسية مؤثرة.
كما أن النشاط تفاوت حسب المكان نتيجة التوزع الجغرافي للشعب الفلسطيني، وذلك نظراً للتفاوت في التطور الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات العربية المضيفة. وهو الأمر الذي أثر بالضرورة على مستويات النهوض الثوري وسط التجمعات الفلسطينية من بلد لآخر منسوباً لحجم التحديات التي واجهها كل تجمع على حدة.[11]
ما بعد هزيمة حزيران 1967:
حدث تطور ملحوظ في دور المرأة في الحركة التحررية الفلسطينية بمختلف مضامينها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، فقد برز هذا الدور بجلاء إبان الهزيمة العربية 1967، حيث فرض الواقع الجديد لفلسطين بعد النكسة، والاحتكاك المباشر مع حالة العدوان المستمرة لمقومات الصمود الفلسطيني بأبعاده الاجتماعية، صعد ذلك من أهمية هذه الأبعاد في مواجهة الاحتلال، حيث انخرطت المرأة الفلسطينية بقوة في ميدان العمل العام، فبرزت صورة المناضلة المقاتلة والشهيدة والمعتقلة والأم المحرضة والداعية السياسية والمناضلة الجماهيرية والناشطة، وإصدار البيانات وتشكيل الأطر النسوية ذات الأهداف السياسية، وشهدت هذه الفترة تزايد ملحوظ في التحاق المرأة بشكل أوسع في الأحزاب والتنظيمات السياسية على اختلافها، وقد تركز اهتمام هذه الأحزاب والتنظيمات على تحشيد دور المرأة وتعبئته في إطار عملية النضال السياسي والعسكري، كذلك زيادة تكون الجمعيات والمراكز والمؤسسات النسائية وتنوع أعمالها ودورها، بحيث أخذت على عاتقها القيام بمهام الداعم والمساند لنضال الحركة الشعبية برمتها، والعمل على التعبئة النسائية الجماهيرية والتحشيد في إطار المظاهرات والاحتجاجات.
كما شاركت المرأة في الصدامات والمعارك مع الاحتلال في الداخل والخارج في معركة الكرامة واجتياح جنوب لبنان 1978، والحصار الإسرائيلي لبيروت واجتياح لبنان 1981-1982، كما كان لنشاط الاتحاد العام للمرأة دوراً في إبراز المضامين الاجتماعية كمكمل لدور تجسيد الكيانية الفلسطينية مع منظمة التحرير الفلسطينية، حيث تقلدت المرأة العديد من الوظائف الاعلامية والإدارية وفي مراكز الأبحاث والأجهزة الأمنية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
دور الانتفاضة الكبرى 1987 في تعزيز مشاركة المرأة السياسية:
تزايد هذا الدور بشكل ملحوظ أثناء الانتفاضة الشعبية في الأراضي المحتلة، حيث تنوعت ملامح مشاركة المرأة السياسية بأشكال النضال المختلفة، فبالإضافة إلى الدور السياسي والعسكري كان هناك الدور المجتمعي والمشاركة الاقتصادية وارتبط ذلك بارتفاع معدلات التعليم بمراحله المختلفة بما فيها الجامعي، ودخولها مجال العمل في مختلف الميادين.
برز النشاط النسوي الفاعل والمرئي في فعاليات الانتفاضة الأولى نتيجة لاعتبارات عديدة جعلت من مضامين العمل الاجتماعي في مقدمة وسائل المواجهة المباشرة مع الاحتلال القائم، وقد تميزت هذه الفترة بنوعية دور المرأة.
ترافق وضع المرأة الفلسطينية والتصق بطبيعة المراحل التي مرت بها القضية الوطنية ككل، فقد كانت الفترة التي شهدت تطوراً لمشاركة المرأة في النضال الفلسطيني يطغى عليها الطابع الوطني- السياسي- الثوري العام، مع تواري المطالب ذات الطابع الاجتماعي والحقوقي للمرأة الفلسطينية باعتبار أن الوقت لم يحن بعد للعمل على حل هذه المشكلات، أو الربط بين تحقيق الانتصار في القضية الوطنية والتخلص من الاحتلال وتحرير فلسطين سوف يحل تلقائياً جملة المشكلات التي تعاني منها المرأة على مستوى الحقوق والواجبات، حيث بالرغم من هذا الدور النضالي إلا أن الشعور بالاغتراب وعدم تحقيق الذات للمرأة والذي جسده غياب وتأجيل النضال الاجتماعي ضد أبوية المجتمع والثقافة والسياسة، وذلك لحساب النضال السياسي الذي استنزف قدرة المرأة وفرغ طاقتها الكفاحية في وعائها السياسي- النضالي المرتبط بالقضية الوطنية، دون الادراك والعمل على أن النضال الاجتماعي جزء من النضال السياسي، وأن العلاقة بينهما جدلية بنيوية لا يمكن الفصل بينهما. حسب الشكل التالي:
تأثير الانتفاضة على دور المرأة الفلسطينية:
خير ما يمكن التدليل من خلاله على مشاركة المرأة الفلسطينية في الحياة العامة، ومشاركتها في صناعة الحدث الفلسطيني، هو الفعل الانتفاضي الذي أبدعه المجتمع الفلسطيني في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد كان لدور الفئات المجتمعية من الأطفال والشبيبة والنساء دور ملحوظ في الانتفاضة الشعبية وابتداع أدوات ووسائل النضال والمقاومة الجماهيرية التي مثلت المرأة جزءاً هاماً منها، فقد كان لدور المرأة الفلسطينية في الانتفاضة الشعبية مساحة واسعة للتأثير، ولقد لفت هذا الدور الأنظار واكتسب بعض المواقف السياسية من الاحزاب والحركات التي استشعرت أهمية هذا الدور، كذلك الاستهداف المباشر من الاحتلال وتصعيد اعتدائه على النساء، كما أنها استطاعت ان تحرر نفسها من بعض المعتقدات السائدة حول عمل المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية العامة، وصورة المرأة الفلسطينية كشعار للثورة، ورمز للصمود وتعزيز القدرة على البقاء، كذلك على مستوى صدى الانتفاضة فقد اصبغت معنى اخلاقي للمقاومة الفلسطينية الشعبية المدنية ضد المحتل، وكان هذا موقف من النساء الفلسطينيات عفوياً خاضعاً للشروط التي كانت تعيشها الانتفاضة باعتبارها انتفاضة شعبية ترتكز على المجتمع، أبانت عن قدرات المرأة الفلسطينية في المساهمة وتحمل المسؤولية العامة، فقد وفر دور المرأة أسباب نجاح الانتفاضة في كسب التأييد والالتفاف الشعبي حولها، وكانت نقطة تحول في الصراع مع الاحتلال، كما كانت عموداً أساسياً في البناء الاجتماعي المؤسسي الذي يمثل بديل عن غياب الدولة، وكانت جزءاً من تجربة تضامنية عاشتها التجمعات الفلسطينية في الاراضي المحتلة، مما جعلها ذلك موضوعاً رئيسياً لأي مشروع في المستقبل، كما يمكن التدليل أيضا من خلال هذا المطلب على أهمية وحدود دور المرأة حسب الظروف والشروط الموضوعة لمعرفة أين وكيف يمكن أن تنجح المرأة الفلسطينية في أخذ موقعها الطبيعي، فالانتفاضة الكبرى الثانية، ما أطلق عليها انتفاضة الأقصى، ونتيجة لتبدل الشروط والأسباب واختلافها عن الانتفاضة الأولى التي شهدت دوراً ملحوظاً للمرأة، فقد تراجع هذا الدور مع هذه الشروط المستجدة، مما يدلل على اهمية الربط بين السياق العام الذي تحيا فيه المرأة والمجتمع وبين حدود دورها وجدواه.
نموذج الانتفاضة الكبرى 1987
ما لم يتوقعه قادة المؤسسة العسكرية الاسرائيلية لدى احتلالهم الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، وبعكس ما حصل من تطهير عرقي لأهل البلاد الاصليين خلال الاحتلال الاول، هو ان يبقى الفلسطينيين هذه المرة متشبثين بأرض وطنهم رغم الاحتلال. فبعد انتصارهم في المواجهة مع الجيوش العربية، إلا انهم اصطدموا بمواجهة من نوع خاص، مواجهة مع مجتمع قائم ابتدع وسائل كفاحية للبقاء والصمود والمقاومة ضد المحتل، وهكذا فتعود جذور إنفجار الانتفاضة الاولى عام 1987 الى عقدين من المصادرة والنهب والاستغلال الاقتصادي والاستيطان والقمع العسكري المتواصل للشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع. هذا بالإضافة الى ضرب العمل الفلسطيني المسلح في لبنان حيث كانت احدى نتائجه توجيه بوصلة الثورة الفلسطينية الى الداخل، وهي النتيجة التي لم تكن في حسابات اسرائيل انذاك. وبما ان الانتفاضة بتعريفها العام هي عمل جماهيري مقاوم شامل تشارك فية كافة القطاعات الشعبية ليتحول الى نمط حياة يومي يكون اساسه رفض واقع الاحتلال والعمل على تأسيس واقع سياسي اجتماعي بديل، فلا بد من الدور المركزي المناط بالتنظيمات واللجان الشعبية التي اقيمت اساساً لسد بعض حاجات الناس تحت الاحتلال. وهكذا فقد شكلت الانتفاضة الشعبية منعطفا هاما في نوعية ومضمون مشاركة المرأة الفلسطينية في العمل الوطني وذلك من خلال العديد من التنظيمات والنقابات والأطر النسوية الجماهيرية التي انتشرت في الضفة الغربية وقطاع غزة على مدار عدة سنوات قبل اندلاع الانتفاضة.
المرأة والعمل النقابي:
لم يكن ثمة مفر من أن تصبغ التنظيمات النقابية الفلسطينية بالصفة السياسية، التي طغت على مجمل أعمال النقابات الفلسطينية، بعد هزيمة 1967 حيث كانت مهمتها الأولى الدفاع عن حرية الوطن، في وجه الاحتلال الإسرائيلي، في حين تراجعت القضايا المطلبية/ المجتمعية، في خضم الصراع الدائر، و لم يكن من السهل على المرأة الفلسطينية أن تتنصل من الرغبة الجماعية في التعبير عن القضايا الوطنية، لذلك وجدت نفسها مدفوعة لأن تنحي جانباً المطالبة بحقوقها، واتجهت إلى المشاركة الوطنية، بكل معانيها، كما أن انضمام المرأة المتأخر للنقابات الملحقة بالعمل السياسي، تنشط إذا نشط وتهمد إذا همد أدى إلى تحجيم دورها فيها، وقلص من حرية تعبيرها عن قضاياها، كما أنه لم يمنحها الفرصة لوضع خطط أولية لتوجهاتها داخل المجتمع، فمع الارتباط الحميم، بالسياسة، التي من شأنها عدم الثبات، كان يختلف ترتيب قضايا المرأة ومطالبها، حسب الظرف السياسي، وبالتالي لم تتمكن من الاستفادة من وجودها داخل التنظيم النقابي وإرساء مطالب محددة، تسير وفق منهج مدروس يرتكز إلى خصائص الاحتياطات الأساسية للنساء الفلسطينيات.
وقد كان الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية أول تنظيم نقابي انضمت إليه المرأة الفلسطينية ومارست من خلاله بعض الأنشطة، حيث أعلن الاتحاد نفسه منذ البداية أنه قاعدة من قواعد م.ت.ف.
إضافة إلى الاتحاد العام للمرأة، شاركت المرأة في التنظيمات المهنية، كالاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين، والاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين، واتحاد الكتاب والاتحادات والنقابات المهنية، والتي تواجدت في بعض الهيئات الإدارية لبعض فروعه، وخلا اتحاد العمال الفلسطيني من النساء الفلسطينيات، وكذلك اتحاد المهندسين، بينما شغلت إحدى الحقوقيات الفلسطينيات عضوية الأمانة العامة للاتحاد العام للحقوقيين. إن السمة الأساسية التي تغلب على هذه النقابات جميعاً، عدم عنايتها الجادة بتوسيع قاعدة انتساب النساء إلى هذه النقابات أو وضع برامج خاصة بها كما لم تمثل في هيئاتها التنفيذية، وإن حدث ذلك فبشكل رمزي.[12]
المرأة واتخاذ القرار من 1978-1992:
في إطار النضال السياسي الاجتماعي الثقافي ضد الاحتلال ابتدعت المرأة الفلسطينية أنماطا جديدة للعمل والذي تشكلت نواته في بداية السبعينات من خلال العمل التطوعي وتطور في نهاية السبعينات على شكل الأطر الجماهيرية النسوية والصحفية، والزراعية والاتحادات النقابية المختلفة، في عام 1983 كان هناك أربع اطر نسائية تمثل أربع جهات سياسية وقد أصبحت مدخلا لتنظيم النساء في الأطر السياسية التي تسعى إلى زيادة الفاعلية والمشاركة الوطنية للمرأة، وفي عام 1987 أصبح عدد الأطر ستة، وقد انتظمت أعداد واسعة من النساء، في هذه الأطر التي انتشرت في المدن والقرى والمخيمات حيث عملت على تقديم الخدمات للجمهور الفلسطيني وبذلك حازت على ثقة المجتمع الذي تتواجد فيه.
وقد تجلت مشاركة المرأة بوضوح في انتفاضة 1987، فقد لعبت المرأة الفلسطينية دورا رئيسيا في الانتفاضة منذ البداية، مما لفت نظر المراقبين، ولولا ذلك ماقيل أن المشاركة في الانتفاضة كانت شاملة، وذلك من خلال دورها الفاعل في تشكيل اللجان الشعبية على مستوى الأحياء التي كانت تقدم للجمهور الخدمات المختلفة في مجال الصحة والتعليم، والرعاية الاجتماعية، وكذلك في أشكال النضال المختلفة المباشرة وغير المباشرة لمواجهة الاحتلال أدت هذه المواجهات إلى اعتقال 433 امرأة مابين الأعوام 1967-1990 لفترة ما بين شهر ومؤبد، هذا بالإضافة إلى ما يقارب 1000 امرأة تعتقلهم سلطات الاحتلال سنويا ما بين ساعة ويوم وشهر، كما أبعدت سلطات الاحتلال خلال الفترة ذاتها 250 امرأة وطفلة إلى خارج الوطن.[13]
ساهمت هذه المشاركة في بلورة وعي جديد لدى المرأة وبشكل خاص فيما يتعلق بدورها المجتمعي الهادف إلى تفعيل دور المرأة في بناء مجتمع مدني ديمقراطي يفي بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الرجال والنساء، إضافة إلى ضرورة مشاركة المرأة في القيادة السياسة سواء في الهيئات القيادية للأحزاب أو في القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، وقد تجلت هذه النقاشات في مؤتمر الانتفاضة وبعض قضايا المرأة الذي أقامته مؤسسة بيسان للبحوث ديسمبر1990،[14] ونشأة مركز شؤون المرأة عام 1991، كذلك مؤتمر المرأة العدالة والقانون الذي أقامته مؤسسة الحق والتعاون مع كافة الأطر والمؤسسات النسائية عام 1992. مما ولد حالة نقاش عام تسعى لتلبية مطالب المرأة نتيجة لهذا الدور الملحوظ.
كما شهدت هذه المرحلة نشوء عدد من المراكز النسائية المتخصصة مثل مراكز الدراسات النسائية عام 1989، ومركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي عام 1991، وقد طرحت هذه المراكز قضايا المرأة الاجتماعية ودعت إلى نشر الثقافة والتوعية القانونية بين النساء خاصة والمجتمع عامة وعملت في مجالات التأهيل والتدريب والتوعية.
المرأة الفلسطينية ومناخ التسوية السياسية:
واكبت المرأة الفلسطينية التطور على المستويات الإقليمية والدولية في قضايا نصرة حقوق المرأة وامتاز نضالها بتنوع أشكاله واستمراره نظراً لاستمرارية حالة الاحتلال، فهي تناضل ضد المحتل الذي يعيق المشاركة السياسية للمجتمع ككل، وتناضل من أجل مشاركة سياسية أوسع في ظل موروث ثقافي سلبي تجاهها يعيد انتاجه المجتمع ذاته.
شكلت عملية السلام وما تبعها من قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، منعطفاً هاماً في حياة الشعب الفلسطيني، حاولت النساء تخصيص مساحة أكبر لهن ضمن الخارطة الاجتماعية والسياسية، ونجحن أحياناً وأخفقن أحياناً أخرى، في الفترة التي أعقبت اتفاق أوسلو واستلام السلطة الفلسطينية لبعض زمام الأمور، حيث يتم استبدال برنامج منظمة التحرير الفلسطينية ببرنامج أوسلو، بدأ الأمر يأخذ منحنى مختلف في ظل عمليات التسوية الجارية على صعيد الفلسطيني- الإسرائيلي، إلا أن عدم اكتمال المشروع وعزوف الكثير من التشكيلات الحزبية والاجتماعية للانخراط في مشروع التسوية، وانقسام المجتمع الفلسطيني السياسي بين مع وضد، وتعثر عملية الدمقرطة وقمعها أحياناً وفرض شروط التسوية ونشأة السلطة مكبلة بشروط الاتفاقيات الانتقالية والقيود الدولية والإقليمية، وضمور القاعدة الاجتماعية للسلطة[15]، وقمع الحركات الشعبية والوطنية، وجدت الحركة النسوية المتطلعة لدور أبرز في مسار نضالها التاريخي السياسي والاجتماعي، نفسها داخل هذه المعمعة التاريخية السياسية المفصلية في حياة الشعب وتجربته، أثر ذلك بشكل سلبي على أولويات الحركة النسوية في فلسطين خاصة أنها ومع كل المتغيرات المحيطة اعاد وضعها مجددا في الإرباك بين العمل وفقاً للبرنامج الاجتماعي أم الوطني[16]
المرأة وعلاقات القوى التي أنتجتها حالة الحكم في السلطة الفلسطينية:
نتيجة لعدة أسباب متداخلة فقدت المرأة بداية التنظيم لترسيخ مفاهيم وممارسات المشاركة السياسية الكاملة للمرأة، حيث ذكورية الأحزاب السياسية، وغياب الديمقراطية، وتغليب النساء المصالح السياسية على حساب القضايا الاجتماعية والنقابية، حيث لم تنجح المرأة الفلسطينية في قولبة هذه العلاقات الجدلية في إطار من الوضوح المؤسس والضاغط باتجاه بلورة رؤية نسوية فلسطينية تمزج بين البعدين في نضالها، كذلك ما رافق نشأة السلطة من إشكاليات سياسية