وضع المرأة في العمل السياسي
رغم كل التقدم الذي أحرزته المرأة على كافة المستويات وفي كل البلدان، إلاّ أن حضورها في الحياة السياسية لأي مجتمع لا زال حضوراً هشاً وضعيفاً لأسباب تتعلق بموقفها الشخصي من السياسة، وأسباب أخرى تتعلق بالقيم والتقاليد الاجتماعية الرافضة ضمناً ذلك الحضور، إضافة إلى أسباب أخطر وأهم تتعلق بالنظم والأحزاب السياسية التي تنتهج نهج القيم والأعراف والتقاليد الاجتماعية- الدينية التي لا تحبّذ كثيراً حضور المرأة في المجال السياسي.
لكن المرأة عموماً، وبشكل غير مباشر تدخل معترك السياسة دون أن تشعر، لأنها المعنية بكل احتياجات الأسرة التربوية والمادية والمعنوية، وهذه الاحتياجات تتأثر بشكل أو بآخر بالسياسة سواء على مستوى الحياة المادية والاقتصادية للأسرة، أو على مستوى المهام والواجبات التربوية تجاه الأبناء، ذلك أن لا حياد في الحياة، وكذلك لأن السياسة تدخل في صلب جميع العلاقات الأسرية- الاجتماعية.
فما هي الأسباب التي تحدُّ من المشاركة المباشرة للمرأة في الحياة السياسية؟
أولاً- الموقف الشخصي للمرأة ذاتها:
إن الحضور المباشر للمرأة في الحياة السياسية يتأثر إلى حدٍّ كبير بموقفها الذاتي من السياسة عموماً، والتي تعتبرها من اختصاص الرجل، لأن المرأة برأيها غير قادرة على إثبات وجودها فيها بحكم ضلوعها بأمور وقضايا أخرى تقع في صلب تكوينها واختصاصاتها كأم وزوجة وربّة منزل، لذا لا يمكنها الانخراط بقضايا قد تؤثّر بشكل سلبي على تلك المهام من جهة، وعلى وضعها كأنثى معتبرة أن السياسة تحرق هذه الأنوثة وتشوهها من جهة أخرى.
ثانياً- موقف القيم والتقاليد الاجتماعية:
مازالت مجتمعاتنا حتى اليوم، ورغم كل ما وصلت إليه المرأة تعتبر دخولها معترك السياسة نوعاً من التمرد على القيم والتقاليد الاجتماعية- الدينية، حيث يستند البعض من رافضي هذا المجال للمرأة إلى حديث للرسول قاله يوم ولّى الفرس ابنة كسرى عليهم، فعن أبي بكرة قال: لما بلغ النبي أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم ابنة كسرى قال: ” لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة” – رواه البخاري.
والبعض الآخر يرى في نشاط المرأة السياسي نوعاً من التشبّه بالرجال، وهذا ما يفقدها أنوثتها ويؤثّر بشكل سلبي على علاقتها بزوجها وأسرتها، على اعتبار أن هذا المجال يتطلب حضوراً دائماً وفي أوقات مختلفة، إضافة إلى الاختلاط المتنوع بالرجال والذي قد يُفضي برأيهم إلى اتجاهات وسلوكيات تؤذي العلاقة الزوجية- الأسرية، أو تؤذي الفتاة العازبة وتؤثّر على سمعتها مما يؤدي لعدم رغبة الآخرين الزواج منها. إضافة إلى أنه سيؤثّر سلباً على مهامها وواجباتها الأسرية كأم وزوجة وربة بيت، وبالتالي يعمل على اختلال وانحلال الأسرة. ومن هنا نجد المجتمع عموماً رافضاً بشكل مباشر أو غير مباشر لتلك المشاركة من خلال نظرة الازدراء التي تواجهها المرأة المشتغلة بالسياسة غالباً.
ثالثاً- موقف النظم والأحزاب السياسية:
رغم كل مظاهر مشاركة المرأة في الحياة السياسية في جميع البلدان والمجتمعات العربية ووصولها إلى مراكز حساسة وهامة، يُعتبر العمل السياسي بالنسبة للنظم السياسية الحاكمة عموماً نوعاً من التمرد عليها حتى بالنسبة للرجال، وانطلاقاً من ذلك تُبقي هذه النظم مشاركة المرأة في الحياة السياسية إما واهية أو تحت السيطرة والخضوع لشرنقتها ومتطلباتها ومواقفها، لتكون هذه المشاركة مثل عدمها، وفقط من أجل البريستيج السياسي والإعلامي. لذا تواجه النساء المشتغلات فعلاً وعن قناعة في هذا المضمار أنواع شتى من الممارسات المؤذية لهن اجتماعياً وإنسانياً والتي تقوم بها الأجهزة الأمنية والسياسية في تلك الأنظمة بدءاً من التسريح من العمل إذا كانت المرأة عاملة، وليس انتهاءً بالتشهير بأخلاقها وسلوكياتها من خلال استخدام أساليب قذرة في هذا المجال في أفضل الأحوال، إضافة إلى الاعتقال كلما استدعى الأمر ذلك، ومعلوم تماماً ما تتعرض له المرأة من ممارسات وتحرّش واغتصاب في أقبية المعتقلات. ولا تختلف كثيراً ممارسات بعض الأحزاب السياسية تجاه المرأة عن هذا، ذلك أن هذه الأحزاب لم تصل بعد إلى قناعة راسخة بأهمية وضرورة مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وإنما توافق على حضورها وتمثيلها خضوعاً لمبادئها التي تنص على ضرورة وجود المرأة فيها، وهنا نجد أن فاعلية المرأة في تلك الأحزاب لا ترقى إلى المستوى المطلوب منها، ولا إلى طموح المرأة ذاتها، والتي غالباً ما تبقى على هامش أعمال وأنشطة هذه الأحزاب، وإذا ما حاولت المرأة توجيه بعض النقد للقيادة، فإنها غالباً ما تخضع للتشهير والاتهامات الباطلة والتي كثيراً ما تؤذيها وتؤثّر عليها سلباً اجتماعياً وأسرياً.
إن ما واجهته النساء أثناء مشاركتها في الاحتجاجات والثورات التي شهدتها بعض البلدان يؤكّد ما استعرضناه، فكان الاعتقال والضرب والخطف والتحرّش والاغتصاب وتشويه سمعة المرأة سيّد الموقف ومن جميع الأطراف عقاباً لها على تمردها على أنظمة وقوانين القبيلة ورجالاتها من جهة، ولأنها حاملة لواء شرف القبيلة والمجتمع من جهة أخرى. وهذا بالتالي ما دفع البعض من النساء إلى الانكفاء والتراجع عن المشاركة حفاظاً على ما تبقى لهنّ من كرامة مهدورة في ظل أنظمة سياسية واجتماعية قاهرة. لكنه في ذات الوقت دفع بالبعض منهن للإصرار والاستمرار والمضي قدماً في محاولة تأكيد ضرورة حضورهن الفاعل في كل ما يتعرض له المجتمع من تحوّلات وتغييرات تستدعي مشاركة الجنسين معاً من أجل الارتقاء بالحياة وإنسانية الإنسان.