وقف جرائم قتل النساء يتطلب فرض عقوبات رادعة على مرتكبيها
كتب على ابو هلال
أثار قتل فتاة فلسطينية في قطاع غزة من قبل والدها الأسبوع الماضي موجة غضب واستنكار شديدين في أوساط الرأي العام الفلسطيني، وفي أوساط الحركة النسائية والأطر والمؤسسات التي تعنى بشؤونها، وفي أوساط الهيئات والمؤسسات الحقوقية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وكشف مركز الميزان لحقوق الإنسان، عن تفاصيل قتل الفتاة وأوضح في بيان له، أن الفتاة (م.ج) البالغة من العمر (21 عامًا)، من سكان بلدة الزوايدة في المحافظة الوسطى للقطاع، وصلت عند الساعة الثالثة ظهرًا من مساء الخميس 28/5/2020، إلى مستشفى شهداء الأقصى، وهي بحالة خطيرة جدًا، وعلى جسدها آثار ضرب وكدمات، وأعلنت المصادر الطبية في مستشفى شهداء الأقصى عند حوالي الساعة 01:00 من فجر الجمعة، عن وفاتها. وبين المركز أنه جرى تحويل جثة الفتاة إلى قسم الطب الشرعي في مستشفى دار الشفاء بمدينة غزة لمعرفة أسباب الوفاة، حيث أفادت المصادر لدى قسم الطب الشرعي، أن سبب الوفاة ناتج عن الضرب المبرح في الرأس وأنحاء الجسد. من ناحيتها، أفادت المصادر الشرطية أن المعلومات الأولية تشير إلى تعرض الفتاة للضرب المبرح من قبل والدها على إثر خلاف عائلي، وأنها فتحت تحقيقًا في الحادث وجاري البحث عن والدها للتحقيق معه.
قتل النساء في المجتمع الفلسطيني لأسباب اجتماعية، أو لدواعي الدفاع عن الشرف، أصبحت تثير القلق، ولم تتوقف، ربما لأن الجناة غالباً ما يفلتون من العقاب، أو يحكم عليهم بعقوبات مخففة، بسبب الثغرات القانونية التي لا تزال قائمة في قانون العقوبات الساري المفعول في الضفة الغربية وقطاع غزة.
فقد ارتفع عدد النساء اللواتي قتلن خلال العام الماضي إلى (13) امرأة، على خلفية قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، بينهن (7) نساء في الضفة الغربية، و(6) نساء في قطاع غزة، وكانت آخر هذه الجرائم في العام نفسه، جريمة مقتل المواطنة (أ.و.ن)، 31 عاماً، من بيت لاهيا، حيث عثرت الشرطة على جثمانها مدفونا في باحة المنزل بتاريخ 14 تشرين الأول الماضي، بعد حوالي شهر من اختفائها، واثبتت التحقيقات أن والدها هو من قام بقتلها ودفنها.
إن تنامي ظاهرة العنف ضد النساء، واستمرار ارتكاب مثل هذه الجرائم بحقهن في المجتمع الفلسطيني أصبحت ظاهرة مقلقة، وتستدعي من الجهات الرسمية توفير الحماية للنساء والفتيات، وسن قوانين صارمة لمكافحة هذه الظاهرة.
وذلك انطلاقا من التزامات دولة فلسطين المترتبة على انضمامها للمواثيق والمعاهدات الدولية، بما فيها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الدولية لمناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وهو ما يوجب عليها اتخاذ التدابير اللازمة لتوفير الحماية للنساء، بما في ذلك اعتبار جرائم قتل النساء، بغض النظر عن الدوافع والخلفيات، جرائم قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد، ووضع تشريعات رادعة تحد من انتشار هذه الظاهرة.
كما ينبغي فتح تحقيق جدي في هذه الجريمة ودوافعها، واعتبارها جريمة قتل دون الالتفات إلى المبررات التي قد يسوقها المتهمون للإفلات من العقاب، وتوقيع عقوبات رادعة بحق مقترفيها. كما ينبغي بذل المزيد من الجهود المجتمعية، بما في ذلك جهود المجتمع المدني لنبذ هذه الظاهرة ورفضها والتوعية من مخاطرها في المجتمع الفلسطيني.
لا يزال المجتمع الفلسطيني مجتمع ذكوري تقليدي، يستند إلى الأعراف والعادات بوصفها وسائل وأساليب لتكريس دونية المرأة، وتعزيز ثقافة التمييز من جهة، ومن الجهة الأخرى فإن البيئة القانونية القائمة حالياً في فلسطين لازالت فضفاضة وغير رادعة، وتشكّل عقبة أساسية من شأنها أن تبقي الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام جرائم مستقبلية ضد النساء في فلسطين، وذلك على الرغم من الالتزامات والإجراءات التدبيرية المفروضة على دولة فلسطين سواء على الصعيد التشريعي أو التنفيذي بموجب الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
بالرغم من انضمام دولة فلسطين في العام 2014 ، للعديد من المواثيق والاتفاقيات الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ” سيداو” ، التي تكفل العديد من الحقوق وعلى رأسها الحق في الحياة والكرامة الإنسانية والمساواة كمبادئ أساسية للحرية والعدل والسلام، إلا أن وضعية المرأة وحقوقها في فلسطين لازالت بشكل أو بآخر تراوح مكانها، ولا زالت التشريعات الوطنية السارية تمييزية وغير متوائمة مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، والالتزامات القانونية المترتبة على دولة فلسطين بعد انضمامها لهذه الاتفاقيات.
ولا زالت العادات والتقاليد الموروثة تلعب دوراً أساسياً في تعزيز ظاهرة تعنيف النساء وقتلهن تحت مبررات ومسوغات عديدة تبرر ذلك بمسميات لها علاقة بمفاهيم سائدة مثل “شرف العائلة”، أو “سلوكيات المرأة ” … إلخ من المفاهيم التي تدور في فلك “لوم الضحية ” نفسها، وإنقاذ “القاتل ” من العقاب.
إن مواجهة ظاهرة قتل النساء يتطلب تركيز الجهود على محورين أساسيين:
الأول: العمل باتجاه الضغط والتأثير من أجل مواءمة التشريعات القائمة مع التزامات دولة فلسطين وتعهداتها في الاتفاقيات والمعاهدات التي وقّعت عليها.
الثاني: العمل على برامج تثقيف وتوعية مجتمعية، بغرض التأثير في المفاهيم والعادات والتقاليد والسلوكيات التي تعزز دونية المرأة على الرجل والتمييز ضدها على أساس الجنس، وبناء ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع الفلسطيني وحق المرأة التمتع بجميع حقوقها دون أي شكل من أشكال التمييز.
وينبغي على أركان العدالة التعامل مع جرائم قتل النساء كجرائم خطيرة شأنها شأن جرائم القتل الأخرى ودون تمييز وعدم التماس اعذار مخففة لأن جريمة القتل هي جريمة قتل بغض النظر عن دوافعها.
وعلى مستوى التشريع والقانون ينبغي أن تقوم دولة فلسطين بالوفاء بالتزاماتها ومسؤولياتها المترتبة على عملية الانضمام للاتفاقيات الدولية واتفاقية “سيداو”، وجوباً للمادة 2 من الاتفاقية، التي تلزم الدول الأطراف بضرورة إجراء التعديلات على التشريعات الوطنية، واتخاذ التدابير اللازمة لذلك. وتعديل المادة (99 (، والمادة (100) من قانون العقوبات رقم 16 للعام 1960، لحين إقرار قانون العقوبات الفلسطيني لجهة عدم تخفيف العقوبات بسبب إسقاط الحق الشخصي عن الجناة في جرائم قتل النساء. وإقرار قانون عقوبات عصري موحّد ويتلاءم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، والالتزامات الدولية لدولة فلسطين. وإقرار مسوّدة قانون حماية الأسرة من العنف.
وعلى مستوى تنفيذ الأحكام القضائية ينبغي تطوير وتفعيل الآليات القضائية المتاحة، بما يضمن الحماية للنساء المعفنات والمتوجهات للإنصاف والعدالة. والضغط والمناصرة من أجل تعديل موضوع إسقاط الحق الشخصي، ووضع ضوابط ومحددات في قضايا قتل النساء. وقيام النيابة العامة بتوسيع دائرة التحقيق لتشمل المحرّضين والداعمين لمرتكبي جرائم قتل النساء، وإحالتهم للمحاكمة جنباً إلى جنب مع الفاعلين الأصليين. وتقوية وتطوير الطب الشرعي، بما يتعلق بقضايا قتل النساء لجهة تجاوز أية أخطاء فنية تؤثر على سير إجراءات التحقيق أو المحاكمة.