يوم الاعتقال.. اليوم الأطول
يوم الاعتقال.. اليوم الأطول
لم يكن فجر يوم 2.7.2017 كباقي الأيام على ختام سعافين، فقد استيقظت على قرع عنيف لباب المنزل حوالي الساعة الثانية والنصف ليلا، فتح زوجها الباب فاقتحم الجيش الإسرائيلي المنزل، وضعها الجنود في غرفة لوحدها، دون حديث ودون أي تفسير، وقامت المجندات بتفتيشها، ثم حضر ضابط مخابرات يدعى حسام حسبما عرف عن نفسه، سألها بعض الأسئلة الشخصية وقال لها أنها ستذهب معهم، لم يبرز أمر اعتقال ولم يعط أي تفسير، طلبت أن تبدل ملابسها، وودعت زوجها، واعتقدت أن ابنتها أمل نائمة ولم تسمع أي من الجلبة التي حدثت، في حين كانت أمل أدركت أن جنودا بالخارج وسمعتهم يسألون عن عمر (أخيها) وتقول سألوا عن عمر أكثر من مرة لدرجة أني ظننتهم أتوا لاعتقال عمر، وتقول لم أعرف ما أفعل كنت في غرفتي وأردت أن أغير ملابسي وأخرج لأرى ماذا يحدث، ولكن عملية الاعتقال لم تأخذ أكثر من ربع ساعة، لم يعطوني وقتا، خرجت بعدها لأدرك أنهم اخذوا أمي!
أخذت المجندات سعافين من بيتها إلى سيارة الجيب، وهناك قيدوا يديها قبل أن يضعوها داخل السيارة، تقول ختام توقفت السيارة مرتين، بين كل مرة نصف ساعة تقريبا، (لاحقا عرفت أن التوقف كان لاعتقال رفاقها، مرة لاعتقال خالدة جرار ومرة لاعتقال إيهاب مسعود)، بعد أكثر من ساعة قالوا لها أنهم وصلوا إلى معسكر عوفر، وبقيت ساعتين في غرفة الانتظار قبل أن يعرضوها على طبيب السجن الذي قام بفحوصات روتينية (قياس الضغط والنبض). بعد الفحص الطبي بساعة أخذت للتحقيق، لم يستمر أكثر من ساعة، أخذوا ضمنه بصمات و”دي ان أي” وصور. ونقلت بعدها إلى سجن الشارون.
الناشطة النسوية ختام سعافين
عرفت ختام طوال سني عملها بنشاطها النسوي والمجتمعي، فهي رئيسة اتحاد لجان المرأة الفلسطينية منذ عام 2010، وهي عضو في الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وعضو في الهيئة العامة لاتحاد لجان العمل الزراعي، وهي نائب رئيسة سكرتارية المسيرة العالمية للنساء، وعضو في التحالف الإقليمي للمدافعات عن حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولم تكن عضوا في هذه المراكز كاسم؛ بل كانت حاضرة في كل الميادين التي تنادي بحرية الشعوب وحقوق الإنسان وحرية المرأة ودورها، وتعتبر ختام مناضلة مجتمعية ونسوية لطالما نهضت للمطالبة بحقوق المرأة لا من منطلق ليبرالي ومؤسساتي بل من منطلق يساري تقدمي؛ يرى أن للمرأة دور مساو لدور الرجل سواء في القضايا الاجتماعية أو في القضايا الوطنية، وترى أن تحرر المرأة ونيلها حقوقها يسير بشكل متواز مع تحرر المجتمع والشعب الفلسطيني من نير الاحتلال والاستعمار، وأن النضال المجتمعي للمرأة لا ينفصل عن النضال الوطني التحرري للشعب الفلسطيني. وبغياب ختام القسري عن الفعاليات والنشاطات المجتمعية والنسوية تركت أثرا كبيرا لدى رفيقاتها ورفاقها وزملائها بالعمل الحقوقي والنسوي والمجتمعي، فهي لم تغب يوما عن نشاط أو فعالية، ولم تهمل يوما دورها في النضال المستمر من أجل حقوق المرأة وتحقيق العدالة لها، ولم تتوان عن النضال من أجل حرية الشعب الفلسطيني ككل، والمطالبة بكافة حقوقه.
البعد عن العائلة
تقول أمل ابنة ختام الكبرى “أصعب ما في اعتقال أمي هو التعود على عدم وجودها في البيت! فهي لم تعتقل قبل هذه المرة إلا قديما، تم توقيفها ليوم واحد بداية الثمانينيات، ولم نعش حالة اعتقال والدتي سابقا، كما أن آخر اعتقال لوادي كان سنة 93 وكنا أطفالا ولم نعرف معنى الاعتقال، ولكن مع ذلك فمعنوياتها عالية وهي تملأ وقتها داخل الأسر بالقراءة وتدريس الفتيات الصغار وقد أقلمت نفسها مع موضوع الاعتقال.
ختام متزوجة من السيد علي فارس، الذي اعتقل عدة مرات كان آخرها عام 93، وهي أم لثلاثة أبناء، أمل ابنتها الكبرى، ودينا وهي متزوجة ولديها ابنة (جنى وهي حفيدة ختام الأولى)، وعمر ابنها الأصغر والذي يدرس خارج البلاد، وقد كان في قادما لإجازة عند اعتقال والدته إلا أنه لم يكن في المنزل لحظة اعتقالها، فلم يتسن له وداعها قبل أن يسافر مرة أخرى.
سمح للعائلة بالزيارة أول مرة يوم 4.9.2017 وقد زارها زوجها وابنتيها أمل ودينا، وكانت حصة الزيارة الكبرى لجنى حفيدة ختام، والسؤال عنها ومعرفة أخبارها بعيدا عن جدتها، وزارتها ابنتيها الزيارة الثانية في 18.9، وأخبرتهم ختام أنها تدرّس البنات وتقضي وقتا جيدا بالقراءة، وهي تطلب منهم إدخال كتب في كل مرة تسنح لهم الفرصة.
داخل سجون الاحتلال
تقبع ختام حاليا في سجن الشارون، مع باقي الأسيرات الفلسطينيات الذين يتوزعن على سجني الشارون والدامون، ومعها بالغرفة 4 أسيرات، تقوم بتدريس الأسيرات الصغار (الزهرات) مواد الرياضيات والإدارة والعلوم، ليتمكنوا من اجتياز امتحان التوجيهي والاستمرار بحياتهم الأكاديمية فور تحررهم من الأسر، وقد طالبت ختام مع الأسيرات بإحضار كتب للصفوف ما قبل التوجيهي لكي لا تنقطع طالبات المدرسة عن دراستهن، ولكي تتمكن الأسيرات من تعليم الصفوف الثانوية كاملة وليس فقط التوجيهي.
تمارس ختام دورها التوعوي والحقوقي للأسيرات داخل السجن، فهي تقف بجانب الأسيرات وتحثهن على الاستمرار بالدراسة وتشجعهن على تطوير وضعهن الحالي للاستمرار بحياتهن وتحقيق طموحاتهن ما بعد الأسر، وهي تناضل من داخل الأسر لتوفير أكبر عدد ممكن من الكتب المنهجية والتثقيفية للأسيرات، وأكدت أن المكتبة لدى الأسيرات فقيرة وبحاجة للمزيد وتطالب دوما بإدخال كتب أكثر.
من المفترض أن تتحرر سعافين من الأسر وتعود لعائلتها وعملها وحياتها الطبيعية بتاريخ 1.10.2017، إلا أن احتمال تجديد أمر الاعتقال الإداري يبقى واردا كون التثبيت لم يكن تثبيتا جوهريا، أي لم يتم تحديد مدة الإداري بأنه لأمر واحد فقط. ولكن تبقى المبادئ والقناعة التي تحملها ختام في قدرة المرأة على النضال وتحقيق المستحيل في أسوأ الظروف وأصعبها هي ما تبقيها بمعنويات عالية وقابلية على العطاء والإبداع، فهي على حد قول ابنتها دائما تقول في حال تحررت أو في حال لم أتحرر، تحضر نفسها لكافة الاحتمالات وبنفس طويل للنضال والعطاء، كما كانت خارج الأسر استمرت داخل سجون الاحتلال وخلف القضبان، فختام المناضلة النسوية لا تعترف بالقيود ولا الجدران، بل تؤمن بقدرة المرأة على تحقيق طموحها في أكثر الليالي حلكة.
الاعتقال الإداري
اعتقلت ختام سعافين يوم الأحد 2.7.2017 من بيتها في بيتونيا، وفي يوم 5.7.217 وهو اليوم الرابع لاعتقالها تم نقلها بالبوسطة من سجن الشارون إلى محكمة عوفر العسكرية، وقررت المحكمة تمديد توقيفها لمدة 72 ساعة لفحص إمكانية إصدار أمر اعتقال إداري. صدر ضدها أمر اعتقال إداري من تاريخ 9.7.2017 وحتى 1.10.2017 أي لمدة ثلاثة أشهر، وتعينت جلسة تثبيت أمر الإداري يوم الأربعاء 12.7، ادعت النيابة في الجلسة أن المعتقلة هي عضو في حزب الجبهة الشعبية وأن لها نشاطات في الفترة الأخيرة، وطالبت أن توافق المحكمة على كامل مدة الأمر الإداري، إلا أن المحامي رفض هذه الادعاءات وقال أنه لا يوجد لدى المحققين أي معلومات مرتبطة بطبيعة الأفعال التي تحدثوا عنها، وأوضح أن المعتقلة هي أم لثلاثة أبناء وعمرها أكثر من 50 عاما، وأنه لم يتم اعتقالها طوال السنين الماضية فلا يوجد منطق بادعاء أن تبدأ الآن بنشاطات تمس بأمن المنطقة أو تشكل خطرا، كما أكد أن المعتقلة هي مدرسة سابقا، وناشطة مجتمعية ونسوية وأن النشاطات التي تقوم بها ومن ضمنها نشاطات دعم الأسرى تندرج ضمن مجال عملها، كما أنه لم يتم التحقيق معها حول نشاطاتها وعلاقاتها، وإنما كان تحقيق من أجل الإجراءات الإدارية فقط، وعلى ضوء ذلك طالب المحامي بإبطال أمر الإداري أو تقصيره بشكل جوهري.
ومع إقرار القاضي أنه لم يتم التحقيق معها حول كثير من المواد الموجودة بالملف السري، وأن التحقيق لم يكن كافيا لإثبات الشبهات ضدها أو تفسير علاقاتها ببعض الأشخاص التي وصفت بأنها علاقات حزبية، إلا أن القاضي ادعى أن المعلومات الموجودة أمامه تبين أن المعتقلة عضو فاعل في حزب الجبهة الشعبية، وأن لها دورا قياديا ومؤثرا في الحزب، وقرر القاضي تثبيت أمر الاعتقال الإداري ضد المعتقلة على كامل المدة.
قدم المحامي استئنافا على قرار التثبيت، وتعينت الجلسة يوم 6.8.2017، وأكد قاضي محكمة الاستئناف أنه خلال مراجعته للمواد السرية استنتج أن سعافين هي عضو في الجبهة الشعبية ولها نشاطات في الفترة الأخيرة مع الحزب نفسه ومع قياديين في الحزب، وادعى أنه من غير الممكن الإفصاح عن المواد السرية فذلك يمس بأمن المنطقة، ورأى القاضي أن وجود سعافين في الاعتقال الإداري يخلق توازنا بين الحاجة للحفاظ على أمن المنطقة وبين حرية المعتقلة، وأن مدة أمر الإداري هي منطقية وملائمة للظروف الحالية، وليس هنالك مجال للاكتفاء بمدة أقل، وأيضا رأى أنه لا داعي لأن يتم التحقيق مع المعتقلة حول المواد الموجودة ضدها، وبالتالي قرر رفض الاستئناف وإبقاء الأمر كما هو، أي أن تبقى لمدة 3 شهور في الاعتقال الإداري قابلة للتجديد.
يتضح من ملف المعتقلة ختام سعافين، أن المحكمة لا تقوم بمراجعة قضائية حقيقية لأوامر الإداري التي تصدرها النيابة، بل تكتفي بالاطلاع على المواد السرية وتثبيت الأمر دون التحقيق بهذه المواد مرة أخرى، فمع اقتناع قاضي محكمة التثبيت بأن التحقيق مع سعافين لم يكن كافيا، ولم يتطرق للكثير من المواد الموجودة بملفها، ولم يفسر طبيعة علاقاتها مع الأشخاص، إلا أنه بالنهاية قرر تثبيت الأمر على ما هو، دون أن يطلب التحقيق معها مرة أخرى، ودون أن يتم التأكد من مصدر المعلومات وتفاصيلها، ولم يعط للمعتقلة الحق بالدفاع عن نفسها أمام هذه الشبهات. كما أن قاضي الاستئناف ارتأى أن ليس هناك ضرورة للتحقيق! وأن المواد كافية لتثبيت الأمر، بالرغم من وجود نقص كبير بتفسيرات بالمواد وتوضيحها.
تبرز هنا خطورة الاعتقال الإداري، وتظهر مرة أخرى لا شرعيته وعدم قانونيته، فمجرد ادعاء النيابة أن هناك علاقة مع قياديين كاف لزج المعتقل لأشهر وسنين بالاعتقال الإداري، ووجود مواد سرية تقول أن للمعتقل نشاط في الفترة الأخيرة تكفل بقاء المعتقل في السجن لأطول فترة ممكنة، دون الحاجة لتقديم إثباتات وتواريخ وتفسيرات، ودون الاكتراث بحق المعتقل ومحاميه بمعرفة التهم الموجهة له والدفاع عن نفسه.
إن اعتقال ختام سعافين، وزجها بالاعتقال الإداري هو إثبات على استهداف الاحتلال للناشطين المجتمعيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ويأتي اعتقالها ضمن استهداف الحركة النسوية الواعية والمؤثرة في المجتمع، ليحول دون توعية المرأة بشكل خاص والفرد الفلسطيني بشكل عام بدوره النضالي الاجتماعي والسياسي، ومن أجل إسكات أي صوت يطالب بحقوق الشعب الفلسطيني وحريته، وقمع أي تحرك داعم لقضية الأسرى والأسيرات العادلة، كما أنه استهداف واضح للمؤسسات الحقوقية والمجتمعية من أجل تجريم عمل هذه المؤسسات وشل التحرك المجتمعي الحقوقي لدى الشعب الفلسطيني. ويعد اعتقال سعافين جريمة فاضحة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإعلان العالمي لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان.
رابط المقال من موقعه / http://www.addameer.org/node/2965