87 %من النساء لا تحصل علي ميراثها بسبب تباطؤ القضاء
غزة-نوى-دعاء شاهين:
قبل سبع سنوات تقريباً، قررت السيدة منال (اسم مستعار) القاطنة في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، اللجوء إلى القضاء للحصول على ميراثها الشرعي من تركة الأب المتوفى (قطعة أرض مساحتها 250 متر)، بعد أن استنفذت كل السبل للحصول عليها بالطرق الودية.
وقد حاول أشقاء منال التحايل عليها واستعطافها للتنازل عن حصتها في الميراث، غير أن ظروف زوجها الاقتصادية البائسة منعتها من القبول بالأمر، وعليه فضلت الحصول على القول الفصل من المحكمة الشرعية بعد أن باءت جهود رجال الصلح بمنحها حقها، بالفشل.
الآن مضى على القضية سبع سنوات ولا تزال تراوح مكانها داخل دهاليز القضاء، سبب الطلب المتكرر للمدعي عليه بتأجيل الجلسات، وبناء عليه يقوم القاضي بتنفيذ الطلب، دون اكتراث لحق الخصوم.
وقد بدا ينتاب منال الشك في محاميها الذي يختلق اعذارا واهية عندما تقوم بسؤاله عن مجريات القضية، إذ تقول: “المحامي لا يتواني عن طلب أوراق جديدة بين الحين والآخر، وفي كل مرة أسأله عن سير القضية، يتملص مختلقا اعذار تتمثل بوجود خلل في المستندات وأن مساحة حصتها من الأرض غير معلومة، أو أنه في إجازة مرضية”، مرجعة تلك المبرات إلى رغبة المحامي في إطالة امد القضية لأجل كسب المزيد من المال.
في الوقت ذاته، وجهت السيدة منال اللوم إلى القضاء في التباطؤ عن تنفيذ أحكام القانون، وقالت: “تأخر حصولي على حقي في الميران، عائد إلى تباطؤ الإجراءات القانونية في المحاكم، وتلاعب المحاميين أنفسهم بالقضايا لتحقيق مصالح خاصة على حساب موكليهم.”
وتعد قضية حصول المرأة على حقها في الميراث من أكثر القضايا الشائكة، رغم أن القانون المدني الفلسطيني رقم 4 لعام 2012 في المادة 999 ينص في بنديه الأول والثاني على أن: يكسب الوارث بطريق الميراث العقارات والمنقولات والحقوق الموجودة في التركة- تعيين الورثة وتحديد أنصبتهم في الإرث وانتقال التركة يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأن التركة.
ويشمل لفظ الوارث في القانون الذكر والأنثى، غير أنه بسبب طبيعة المجتمع الذكوري في قطاع غزة تحرم بعض النساء من حقهن في الميراث، واذا تجرأت إحداهن للمطالبة به تواجه معضلة بطء اجراءات التقاضي.
ووفقاً لإحصائية اعدها مركز شؤون المرأة حول عدد النساء اللواتي حصلن على ميراثهن، تبين أن 87% من النساء لا يحصلن على ميراثهن بسبب الرفض والمماطلة أو التأجيل. كما أن 9 % فقط يتم تسوية حقوقهن من الميراث بمبالغ أقل، بينما 3 % منهن من تحصل على حقها بما يتوافق مع الشرع.
إزاء هذا الواقع، أثرت مراسلة “نوى” مساءلة الأطراف ذات العلاقة، لأجل الوقوف على أسباب تأجيل قضايا الميراث التي تخص النساء، فإذا لم يكن لينصفها القضاء، من ذا الذي سينصفها؟.
بداية، أقر عبد الرؤوف الحلبي رئيس المجلس الأعلى للقضاء الذي التقيناه في مكتبه بمدينة غزة، بأن المحكمة مقصرة بسبب قلة عدد القضاة (42 قاضياً) وهو أمر يقول إنه يؤخر البت في الكثير من القضايا.
وحاول الحلبي، أن يخلي مسؤوليتهم عن التباطؤ الحاصل في البت في قضايا الميراث على وجه الخصوص، بقوله “إن ارتفاع عدد المشاكل بين المواطنين بسبب الفقر، ينامي عدد القضايا، مما يثقل كاهل القضاة”، غير أنه عدل عن قوله قليلاً، بالإشارة إلى أنه لا يوجد قضاة متخصصين في قضايا الميراث بحد ذاتها.
في الوقت ذاته، اعتبر رئيس المجلس الأعلى للقضاء أن بطء الحركة القضائية في ملفات الميراث الخاصة بالنساء نابع من المحامين أنفسهم، وقال “إن المدعي أحيانا لا يكون مكترثا في تجهيز بياناته؛ من المفروض قبل رفع أي دعوة تجهيز المستندات الخاصة بالقضية والشهود وليس بعد رفع الدعوة بالتعاون مع المحامي الموكل بالقضية.”
وأضاف الحلبي أن “المحامي يقوم بوضع أولويات في قضاياه، وقد يتبع المزاجية في عمله، بإعطاء أهمية لقضية دون آخرى، مما يعيق انجاز الدعاوي الخاصة بالميراث.”
بيد أن، نقيب المحامين في قطاع غزة صافي الدحدوح أرجع سبب إعاقة المرأة في الحصول على حقها من الميراث، إلى عدم تأهيل المحاكم الشرعية قضائيًّا، وقال: “إن بعض القضاة يتولون الحكم في قضايا متعددة في نفس الوقت، مما يؤخر القضية لوقت طويل ويأتي هنا التأجيل”.
وأضاف الدحدوح في سياق حديثه لـ”نوى”، “أن المحاكم الشرعية لا تمتلك اللوجستيات الخاصة في تبليغ أطراف القضية مما يؤخر سير الدعوة، مشيرا في الوقت ذاته إلى احتمال لجوء بعض المحامين إلى تأجيل القضايا تملصًا من إعطاء المرأة حقها.
وعند سؤاله عن دور النقابة الرقابي تجاه فئة المحامين المتهمين بالتقاعس، أوضح أن نقابته تتأخذ الإجراءات الازمة بحق أي محامي مخالف، في حال تقدم أحد الأطراف المتضررة بشكوى للنقابة، “لكن لطالما أن المتضرر لم يقدم شكوى لا تستطيع النقابة القيام بدور بوليسي” على حد قوله.
من خلال ما قاله الدحدوح يتبين أن النقابة لا تأخذ بعين الاعتبار أن هناك نساء مهمشات لا يمتلكن قدر كافي من التوعية بحقوقهن، مما يجعلهن يقعن فريسة تلاعب المحاميين الموكلين في قضاياهم، فضلاً عن مماطلة الجهاز القضائي.
غير أن الدحدوح، وجه اللوم في جهل النساء بالقوانين إلى مؤسسات المجتمع المدني التي لا تهتم في الوصول لهن، مشيراً إلى أن النساء بحاجة لتوعية بقضاياهن، خاصة أن عدد منهن “يتوجهن بشكاوى ضد عائلاتهن دون أن يمتلكن أي اثباتات للحق، وهنا المحامي يواجه صعوبة في متابعة القضية دون توفر مستندات قانونية” على حد قوله.
في المقابل، أكد عبد المنعم الطهراوي من المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات، أن المركز مازال يستهدف النساء لتوعيتهن بحقهن للمطالبة بالميراث، ومساعدتهن للوصل إليه من عبر مشروع قائم على التوعية منذ سبع سنوات ومازال قيد التنفيذ.
وأوضح الطهراوي في سياق حديثه لـ”نوة” أن من أولويات المركز الأساسية استمرار مشروع” تقديم الدعم القانوني، للنساء في مجال توعيتهن بحقوق السكن، الملكية، الأراضي، مشيرا إلى أن المشروع بدأ يؤتي أكله وقد بدا ذلك ملحوظا من خلال زيادة إقبال النساء على المطالبة بميراثهن، سواء كان ذلك بشكل ودي أو عبر اللجوء إلى القضاء، وذلك عكس ما كان الواقع سابقاً، حيث كن يخجلن ويتوجسن من المطالبة بحقوقهن.
غير أنه عاد الطهراوي، وأكد على أن العقبة الأبرز التي تقف في طريق أولئك النساء في الوصولهن لحقهن بالميراث، هي طول مدة إجراءات التقاضي.
أمام هذا الواقع ستظل النساء عرضة للاستغلال وسيظل حقهن في الميراث الشرعي غائباً، ما لم ينصفهن القضاء أو يتوقف تلاعب المحامين بالقضايا التي لم تُدعم بالمستندات القانونية الكافية التي تؤهل القضية للحصول على قرار نهائي في وقت قصير