أما آن لـ”جرائم الشرف” أن تتوقف؟!
تسمى بجرائم الشرف هي من أبشع الجرائم وأقساها على الإطلاق تُرتكب في مجتمعاتنا العربية. ودليلٌ واضحٌ على مستوى تخلف المجتمع وهشاشته وقلة حيلته ومدى المسافة والفجوة بينه وبين إمكانية الانتقال لمجتمع متماسك قابل لتخطي التحديات والعقبات، وهي امتداد لسلوك الجاهلية الأولى في وأد البنات وسهولة قتلهن لأتفه الأسباب وبحجة العار.
والقتل بدعوى الشرف جريمة يرتكبها غالباً فرد ذكر في أسرةٍ ما أو قريب لذات الأسرة تجاه أنثى أو إناث في نفس الأسرة. حيث يقوم الجاني بقتل الإناث لأسباب تتعلق بخياراتهن في الحياة، ومن ثم يدعون أن هذا القتل تمّ لـ”الحفاظ على الشرف”، أو لـ”غسل العار”.
وحتى اللحظة لا استوعب مدى قسوة قلب أخ يقتل أخته بيديه، وأب يقضي على ابنته ليُرضي مجتمعه، وما عرف هذا الأب أنه يتحمل مسؤولية أي خطأ يقع لابنته أو أي انحرافٍ يصيب مسيرتها، فأين كان قبل ذلك في تعليمها وتربيتها ومراقبتها وتوجيهها وإعطائها من حنانه واهتمامه؟
في الإسلام لا يوجد شيئٌ اسمه قتل بداعي الشرف. والمجتمع المسلم كان مجتمعاً متقدماً يرفض سلوك الجاهلية المتخلفة، وحارب القرآن هذه الظواهر ورفضها رفضاً قاطعاً، ووضع رؤيةً قانونيةً وثقافيةً لحماية أفراد المجتمع من تغول بعضه على بعض وقتل بعضه لبعض، ورَفع قيمة الشرف ومعناه في أمورٍ أكبر بكثير من أن ينحصر في المرأة وسلوكها.
لهذا على المجتمع مراجعة عواقب هذه الجرائم واستحداث قوانين تتوافق والقرآن والسنة والفهم الإنساني السليم لمثل هذه الجرائم، فهناك جريمة قتل وجب معاقبة مرتكبها مهما كانت الدوافع والحجج.
إن العلماء وخطباء المساجد والمثقفين والأكاديميين ووسائل الإعلام المختلفة لها دورٌ كبيرٌ في محاربة هذه الجرائم والحدِّ منها عبر إدانتها والتحذير من خطورتها، والعمل على نشر الفهم الصحيح لرأي الإسلام بمثل هذه المواضيع، فإن شرع الله لا يقبل أن تقتل الفتاة من غير ذنب ولمجرد الشُبهة، وعليه نتمنى سن قوانين تحمي المجتمع من غول فوضى القتل.
مشكلتنا الحقيقية في مفهوم العار وربطه واقصاره على الأنثى يوضح حجم الانزلاق والدونية التي نحن فيها، فالبلاد تُنتهك والمقدسات تُهدم والفقر والجهل ينهش المجتمع ويفككه فيضطر الرجل لتعويض عقدة النقص في تغيير مفهومه للعار والشرف.
الفقر والجهل والاحتلال هو العار الحقيقي، وأكبر بكثير من أي عار نتوهمه، ولا شرف لدينا إن لم نحدد مفهوم ومعنى الشرف الحقيقي وتحديد ما هو العار الحقيقي، ونحاربه بدل أن نقزم المفهوم لهذه الدرجة فنهتك ونقتل ضلعنا الأضعف بكل قسوة.