اضواء …على وضع المرأة

اضواء …على وضع المرأة

خطر لي أن المرأة افضل حالا من ذي قبل يعني مثلا قبل ثلاثين او اربعين عام! ولو انني اعتقد ان هناك بعض المظاهر الايجابية بالنسبة للمرأة والتي كانت قديما لكنها اختفت، ايا كان لننظر الى واقعنا الحالي نظرة اخرى ونسأل انفسنا السؤال الأتي :ماهي الأمور التي طرأت على حال المرأة ونؤمن انها لصالحها؟ لنبدأ من التعليم مثلا (مع ملاحظة انه لايمكن النظر الى هذه المظاهر منفصلة عن المجتمع ككل وتبنيها فقط للمرأة) .


اولا: التعليم
قد تكون نسبة تعليم المرأة قد ارتفعت بشكل عام في وطننا العربي ولربما ينطبق هذا الكلام على بعض البلدان دون غيرها في العالم العربي والتي هي منفتحة اكثر من غيرها! لكن ماهية التعليم واين ترتكز النسبة الكبرى من المتعلمات في وطننا؟ وهل تغيرت نظرة المرأة الى نفسها ونظرة الاخرين لها حقا بعد حصولها على درجات علمية رفيعة؟ ام يبقى الامر مجرد مظاهر وتقليد وحرية منقوصة..فإذا كان التعليم اصلا مجرد حشو دماغ،فما الفائدة منه؟هذا النوع من التعليم ينعكس سلبا على نوعية الثقافة المكتسبة لدى الفرد طيلة سنوات التحصيل العلمي المدرسية بداية وثم في المرحلة الجامعية ان استكمل تعليمه،وبالتالي ينعكس هذا سلبا ايضا على المرأة التي هي جزء من المجتمع وتنطبق عليها منظومة التعليم الفاسدة وحالها من حاله!، ومن جهة اخرى اذا كان الهدف من تعليم المرأة اعطائها بعضا من الحقوق (خودي الشهادة واقعدي بالبيت!) ، فما المحصلة منه؟ فأحيانا كثيرة نجد فتيات يتعلمن فقط للتباهي بالشهادات المعلقة فوق الحائط ، فالمهم شهادة جامعية تزيد من اسهمها الاجتماعية لدى العريس المنتظر؟ قد تكون لدى بعضهن الرغبة في الاستفادة من تعليمهن ولكن أسرهن لايسمحن بذلك وفي حالات كثيرة نشاهدها هن لايهتممن اصلا بالموضوع لانهن مبرمجات منذ الصغر على وضع معين يقولبن انفسهن فيه دون التفكير بالحاجة الى التغيير ، وأمر اخر اذا كان المتعلمون من الذكور لايحظون بالفرصة اللائقة لعرض امكاناتهم حقا في مجتمعاتنا فكيف الحال سيكون اسهل بالنسبة للمرأة؟

ثم ان تعليم المرأة مقتصر على مجالات ادبية اكثر منها علمية او تقنية رغم ان هنالك نسبة متزايدة لايمكن انكارها من الفتيات اللواتي يتجهن لدراسة تخصصات علمية كانت حكرا او قصرا على الذكور ومع ذلك فهل سيعملن بكامل حريتهن في مثل هذه المجالات وهل ستعطى الفرصة لهن حقا لابراز قدراتهن فيها والعمل بكامل طاقتهن ،أم سيبقى الامر شكليا فقط !وهنا تبرز نقطتان وهما :ماهية النظام التعليم الحالي ونوعية التعليم العالي ،فالنظام التعليمي الحالي لا يساعد على انشاء جيل مختلف ينظر الى الامور بطريقة مختلفة ويتبنى الطرق العلمية في التفكير ولا يشجع نظامنا التعليمي على النمو الفكري السليم فما هو الا عملية حشو ولغو بتقديم منهج يظهر انه يهتم بالعلم والفكر ولكن فقط بشكل ظاهري وسطحي وان وجدت المناهج المناسبة فأن العملية التربوية اصلا غير صحيحة والقائمون عليها غير اكفاء بالمجمل ،من هنا لا بد ان هذا سيؤثر سلبا على المحصلة التعليمية للفرد وبالتالي للمرأة ، اما النقطة الثانية والمتعلقة بنوعية التعليم العالي التي تحصل عليه المرأة لا تتناسب وحاجات المجتمع (هذه النقطة مشتركة بين الذكوروالاناث عموما)، وحتى ان حصلت المرأة على التعليم المناسب فالمجتمع نفسه احيانا كثيرة غير متقبل لعمل المرأة في مجالات او وظائف كانت حكرا على الرجال او يتصور الناس انها فقط للرجال !لأن المجتمع غير مهيأ بعد لاستقبال واحتضان المتغيرات الجديدة في عالمنا اليوم، ومن هنا يبدو ان الشهادات التي تحصل عليها المرأة ما هي الا مظهر في كثير من الاحيان سواء بإراداتها او بإرادة المجتمع!
فكرة جانبية : افتحوا كتب اولادكم وبناتكم في المدرسة وتصفحوها ،هل يوجد شيء ينمي العقل؟ هل تشعرون ان ابنائكم ينهلون من العلم المفيد؟ هل تشجع تلك الكتب على الابداع والتفكير؟ هل فيها تنوع ثقافي ينعكس ايجابا على توسيع مدارك الفرد ؟ الذي من شأنه تغيير النظرة التقليدية للامور ومنها النظرة التقليدية الى مكانة المرأة!!

ثانيا: العمل
إن نسبة النساء العاملات في ازدياد في بعض البلدان العربية اكثر من غيرها ،لكن هل تحسن الوضع حقا؟ دعونا نسأل انفسنا مثلا في الشركات الخاصة او القطاع الخاص هل يفضل صاحب العمل توظيف امرأة متزوجة ام عزباء وهل يفضل اصلا ان يوظف امرأة ام رجل؟ وهل ينظر صاحب العمل الى الرجل والمرأة المرشحين للتوظيف بنفس النظرة! ولنتأمل معا فبعض اصحاب العمل يتوهمون ان جزء من عمل المرأة ومن المسلمات به هو الاستمتاع بمقوماتها الجمالية وليس الاستفادة من دراستها العلمية!
في القطاع الحكومي ربما الامر يكون افضل حالا حيث يعتمد الموضوع على الدور الترتيبي لطالب الوظيفة سواء ذكر او انثى، مع بعض الاستثناءات التي نعرفها جميعا(الواسطة) ولكن بالمجمل ليس هنا تمييز ظاهر في العمل من ناحية الجنس، لكن هل نوعية العمل المعطى للمرأة متوافق مع امكاناتها ام انه اقل بكثير مما تسمح به امكاناتها حقا، وهل يتساوى راتبها بالعموم مع مثيلها من الرجال؟ وهل هناك اعمال تستثنى منها المراة ليس لاسباب فسيولوجية انما لطبيعة النظرة التقليدية للمرأة بانها غير قادرة عليها؟
هل عمل المرأة المتزوجة ناتج عن ايمان عميق بحرية المرأة بالاختيار وأهمية عمل المرأة ؟ انه ناتج عن الضغط الاقتصادي الذي تعيشه أسرنا من الطبقة المتوسطة مثلا؟ يعني عمل المرأة ناتج عن ظروف معينة واوضاع اقتصادية صعبة وليس ايمانا بأهميته الناتج عن سابق تصميم ومعرفة بضرورة عمل المرأة وليس سيئا ان يكون قد فرض الواقع امورا ايجابية بالنسبة للمرأة ولكن المشكلة تكمن بالاعتراف الحقيقي بأهمية تحرر المرأة من زنزانة التقليدية البائسة التى يفرضها المجتمع عليها ؟كذلك لابد من الاهتمام بتغيير الفكر السائد نحو المرأة ولنبدأ من بيوتنا نحن فلا نقولب ابنائنا وبناتنا في قوالب اعدت جاهزة من قبل لنمنحهم الحرية التي نفتقدها في التفكير وتأطير الامور! ولابد من ربط الامور الجيدة التي حصلت عليها النساء بمفاهيم راسخة بالمجتمع نفسه لتكون مقبولة بشكل ثابت في المجتمع وليس بشكل مرحلي او ظرفي الذي قد ينتهي بانتهاء الظرف او المرحلة،لذا نجد الكثيرات يعملن ليس لايمانهن بالعمل او لتحقيق الذات بل لقسوة الحياة ورداءة ظروفها !وهنالك نسبة من السيدات (ذوات الثروات) اللواتي يعملن من باب المظهر الاجتماعي او من باب تغيير الاجواء فعملهن منقوص والفائدة منه لاترجى الا برفع نسبة العاملات كمؤشر! من هنا لا يوجد مبادئ واضحة ولا افكار راسخة بالنسبة لعمل المرأة.

ثالثا :الزواج والاسرة
إن المتغيرات التي طرأت على مجتمعاتنا غيرت الكثير من المظاهر بالنسبة للزواج والاسرة فأصبح الزوج او الرجل يبحث عن المرأة العاملة ليس لقدرتها الفكرية ولاتساع مداركها باعتبارها تخوض غمار الحياة بشكل افضل من المرأة القاعدة في البيت نوعا ما ،بل لانها مصدر دخل يعينه على الحياة القاسية فقط لاغير! مع نسبة بسيطة قد تفضل المراة العاملة لاتساع افقها! قد تكون النظرة الى الزواج من ناحية الرجل الى المرأة مادية فيما يتعلق بعملها والدخل المتأتي منه وبئس هذه النظرة .

من هنا قد يبدو ان حظ الفتاة العاملة اكبر بايجاد زوج (حلم الفتاة العربية بإيجاد الامير المنتظر الذي اتضح انه فقير معدم وليس كما تصورت دوما!)رغم مايفرضه عملها من تأخير على سن الزواج تبعا لاستكمال تعليمها ،ويبدو ان الحظوظ اقل بالنسبة للمرأة الغير عاملة او التي لم تجد وظيفة بعد فنشاهد فتيات يرغبن بالعمل فقط لان حظوظهن تزيد في ان يأتي الفرج اقصد الزوج المنتظر! من هنا اصبحت النظرة للمرأة كدخل بعد ان كانت النظرة لها كمتعة جسدية فقط ورغم اقتناع الازواج بضرورة عمل نسائهن كمصدر دخل يعينهم الا انهم يرفضون تحريرها من كامل القيود مثلا كالنظر اليها انها على نفس الاهمية وليس اقل فكرا! فالأمر يبدو كأنه حسب مزاجهم ومتطلباتهم لاغير!

من ناحية اخرى ان ارتفاع تكاليف المعيشة مع قلة الرواتب الممنوحة على الاغلب ، لايخدم عمل المرأة مع اهتمامها باسرتها واطفالها فإن كانت المرأة ستعمل فإن هناك امورا ستترتب على ذلك مثل تكاليف المواصلات او ايجاد حضانة مناسبة للأطفال الصغار وغيرها ،ولنأخذ جزئية ارتفاع اسعار تكاليف الحضانات المناسبة مثلا واستحواذها على نسبة كبيرة من الراتب فإن هذا كفيل بعدم الترحيب بفرصة عمل ذات راتب متدني كونها لا تحقق الغرض المرجو منها !خاصة وان الكثير من الاشغال الخاصة ترمي بعرض الحائط القوانين الداعية لانشاء حضانات فيها ، وتتحايل عليها، وحتى ان وجدت الحضانات تكون بمستوى متدني لاترضاه الام لابنائها.

ايضا نجد بعض الازواج يرحبون بعمل الزوجات ولكنهم يتناسون ما سيترتب عليه من تبعات داخل او خارج المنزل!فلا يهتمون بتاتا بمساعدة ومؤازرة زوجاتهم بتحمل جزء من اعباء المنزل الذي يرفض البعض المشاركة فيها باعتبارها رمزا انثويا خالصا (شغل نسوان!)وينسون ان المرأة نأخذ النصيب الاكبر من شؤون الاسرة العملية والمادية والتربوية ولنأخذ مثلا مسألة العناية بالاطفال وتدريسهم والتي يتنصل منها الازواج احيانا بحجة عدم مقدرتهم على تحملها او فقط بحجة ذكوريتهم.هذا كله يحمَل المرأة العاملة فوق طاقتها، فتتمنى احيانا لو انها عاشت في غير هذا الزمن المتناقض!

حتى بسؤال المرأة العاملة عن سبب عملها؟غالبا ما يكون الجواب من اجل اولادي او من اجل الضمان الاجتماعي اي التقاعد والمعاش وهذا ليس سيئا انما يعكس طبيعة نظرة المراة الى العمل المتولدة من الواقع الكئيب !
فليس هناك وعي بأهمية عمل المرأة لدى المرأة نفسها بشكل منهجي فالامر مرتبط بشكل منفعة مادية وقتية او مستقبلية ، وهذا الفكر ترسخ لدى الرجل والمرأة على حد السواء ورغم ان النظرة هذه تعكس ايضا نوعا من الوعي لدى المرأة بالحصانة او الضمانات التي يقدمها العمل لها مستقبليا، لكن تبقى الامور ضمن قالب مادي بحت وليست نابعة من ايمان بضرورة العمل وتحقيق الذات والمساهمة في بناء المجتمع بطريقة افضل وتفعيل طاقات المرأة الخلاقة!
كما ان هنالك مشاكل مستفحلة بالنسبة لحالات العنف الاسري والمرأة تحديدا ،لقد تم بناء العديد من المؤسسات التي تعنى بهذا الشأن مثل حماية الاسرة وجمعيات تؤازر المرأة المعنفة جسديا او لفظيا لكن هل ادت تلك المؤسسات وظيفتها كاملا مع عدم اعتراف الضحايا اصلا بوجود مشكلة والخوف من البوح بها؟ وهل تعمل تلك المؤسسات بالشكل الصحيح وضمن حرية كاملة مجتمعيا؟

نستنج من تأملاتنا ان الكثير من الامور تغيرت ربما بالنسبة للمرأة ولكنها تغيير ظاهري وليس حقيقي ولربما التغيير الايجابي فرض واقعا قاسيا بالنسبة للمرأة العربية فمع تغير بعض المفاهيم الخاصة بضرورة عمل المرأة والتعليم مثلا، لكن لم تتغير مفاهيم اخرى بالنسبة مثلا لسن الزواج التقليدي للمرأة فالفتاة الاصغر سنا افضل من الفتاة الاكبر سنا رغم اهتمام الازواج بالبحث عن المرأة العاملة وماهذا التناقض! و مثل حرية الاختيار، او كالنظر بعين المساواة للمرأة ،وعدم اعطاء الفروقات الجسدية بين الرجل والمرأة اكبر من حجمها…ولننظر الى بعض المظاهر الخاصة بارتفاع نسبة حالات التحرش الجنسي في بعض الدول التي كانت قديما تنعم بها المرأة بحرية اجتماعية نسبيا اكثر من غيرها في دول اخرى عربية! كذلك مازالت هنالك بعض القوانين التمييزية ضد المرأة مثل قانون جرائم الشرف !لست بصدد استعراض اسباب انتشار تلك الظاهرة او بقاء القوانين المجحفة في حق المرأة لغاية الان! لكن فقط لنتأمل المشهد كاملا..

فهل نحن النساء افضل حالا؟ ربما..!