ارتفاع عدد النساء المحكوم عليهن بالاعدام في الشرق الاوسط لا علاقة له ابدا بالعدالة
الكاتب / طلال الربيعي
يؤكد الصحفي البريطاني روبرت فيسك (الذي يعيش في بيروت منذ 25 عاما) بان إعدام النساء يؤدي الى الاشمئزاز، وذلك عندما يتم قطع رأس النساء، شنقهن أو إطلاق النار عليهن, في العالم المسلم. فيتلازم الاشمئزاز والكلام عن قتل امرأة مع القناعة أن الإسلام يعامل المرأة ليس فقط كمواطن من الدرجة الثانية، او كمتاع وملكية خاصة، بل انها يمكن ان تتعرض الى الذبح من اجل استعادة “الشرف المهان”, و لربما يحدث هذا حتى لو كان الامر كله مجرد “اشاعة او حديث عابر, فالاشاعة كافية “لتلطيخ” سمعة العائلة والاقارب. و في احيان يذبحن النساء بسبب جرائم رجالهن. وغالبا يتضمن قتل النساء سادية ذكورية.
فماذا الذي يفكر به الجلاد “البارع “في المملكة السعودية عندما يقوم, في سوق عمومي, بفصل رأس المرأة عن جسدها, في ما يشبه الاحتفال الشعبي ليكسر رتابة الحياة في هذه الدولة؟ حيث تبلغ النشوة (الذكورية) ذروتها عندما تتردد في “اوركسترا” الموت صرخاتهم ب “الله اكبر”, بالغة عنان السماء, جاهدين ان يسمعوا الله حمدهم وشكرهم, وكلما علا صوت تكبيرهم, كلما ازدادت نشوتهم وثوابهم. فالنشوة دليل ثوابهم, هم يعتقدون.
وماذا عن جلاد الدولة الإيرانية الذي شنق الشابة ديلارا دارابي ذات ال 23 ربيعا, وهي تتنتحب عبر هاتفها الجوال, مستغيثة بأمها لأنقاذها من حبل المشنقة, قائلة: “يا أمي، أستطيع أن أرى حبل المشنقة أمامي. وهم في طريقهم لتنفيذ حكم الاعدام بحقي. ارجوك ان تنقذيني”؟ حملت استغاثة ونحيب ديلارا الجلاد الى خطف هاتفها المحمول ليقول لأمها بسخرية أنه لا شيء يمكن أن ينقذ ابنتها الآن.
كانت التهمة الموجهة الى ديلارا هي جريمة القتل. وهي جريمة زعمت انها ارتكبتها, بينما كان عمرها 17 عاما, لاعتقادها بان زعمها هذا سوف ينقذ صديقها من خطر الإعدام -كامرأة قاصرة اعتقدت بانها سوف لن تعدم على العكس من صديقها البالغ العمر-. على الرغم من أن ديلارا ادعت في البداية أنها قد ارتكبت الجرم، لكنها تراجعت من بعد وسحبت اعترافها واوضحت أن صديقها الأكبر سنا، أمير حسين، قد أقنعها أن تكذب بشأن الحادث لحمايته. وفقا ل ديلارا و مصادر اخرى مطلعة على القضية ، كان أمير حسين هو الشخص الذي ارتكب جريمة القتل في محاولة لسرقة أحد الأفراد الأثرياء من عائلة ديلارا. حكم على ديلارا بعقوبة السجن لخمس سنوات, ينفذ بعدها حكم الاعدام بحقها (في إيران يقضي السجناء غالبا وقتا في السجن قبل تنفيذ حكم الاعدام).
بينما كانت تنتظر تنفيذ حكم الاعدام، قامت ديلارا, هاوية الرسم منذ طفولتها المبكرة ، بأكمال العديد من الأعمال التي صورت سجنها. في السجن كتبت أيضا الشعر. ومن اعمالها الشعرية قصيدة بعنوان “سجن”، وهو عمل نفسي و فلسفي يتناول الحياة في السجن. كما تم عرض مجموعة من الأعمال الفنية لها في معرض في طهران من قبل أنصار حملة الإفراج عنها. وكان محامي ديلارا, عبد الصمد خروشابي، قد طعن في الحكم، بحجة أن إدانتها قد استندت فقط على اعترافاتها. ولكن المحاكم الايرانية لم تكترث بالاعتراضات, فقد عقدت العزم على انهاء حياتها. اوقفت السلطات القضائية تنفيذ الاعدام لمدة شهرين, ولكنها سرعان ما غيرت رأيها, خوفا من تصاعد حملات الاحتجاج عالميا على اعدامها في الوقت المقرر, فأعطيت الضوء الاخضر لإعدامها بعد اسبوعين في الساعة 5:00 صباحا بالتوقيت المحلي في 1 مايو 2009 في السجن المركزي رشت، دون إخطار مسبق لمحاميها او أسرتها. ولكن قبل دقائق من اعدامها سمح لها باجراء مكالمة هاتفية مع والديها، ناشدتهم فيها بانقاذ حياتها ، تلاها صوت السجان ليعلن انه تم تنفيذ حكم الاعدام بابنتهما.
لقد كانت ديلارا فنانة قديرة وملاكا لزميلاتها السجينات. عندما شكى فيسك الى الرئيس محمود أحمدي نجاد حول إعدامها، أجاب الرئيس بمرارة أنه كان ضد عقوبة الإعدام, لكن القضاء الايراني مستقل, واضاف: ” أنا لا أريد أن اقتل حتى نملة.”
كقاصر محكوم عليها بالإعدام -إيران تكاد تكون آخر معقل لإعدام الأحداث في العالم- اثارت قضية ديلارا اهتماما عالميا, حيث تم الاحتفاء بها في معرض دولي لاعمالها الفنية, حمل اسم “سجينة اللون.”
تقول ديلارا:
“هل تعرف ما تعني الالوان للسجين? لقد حددت الالوان شخصي عندما كنت في الرابعة. وفي عمر 17 عاما فقدت الالوان. فانا لا اميز الآن بين الأحمر العميق واللازورد الأزرق. بدلا من ارسم السماء بالازرق, رسمتها بالرمادي. لقد فقدت الألوان والذي أراه كل يوم هو [السجن] الجدار. ديلارا درابي أنا, لدي 20 سنة من العمر, اتهمت بالقتل وحكم علي بالإعدام, وقد كانت النتيجة 3 سنوات قضيتها أدافع عن نفسي من خلال الألوان والأشكال والكلمات … وهذه اللوحات هي قسمي على جريمة لم ارتكبها … هل ستعيدني الألوان الى الحياة مرة أخرى. أبعث للذين يأتون لرؤية لوحاتي, تحياتي من وراء هذه الجدران “.
(يمكن الاطلاع على صورة ديلارا وبعض رسومها في المصدر 2)
في البلدة الايرانية نيكا، احتجزت السلطات عاطفة رجبي سهاليه البالغة من العمر16 عاما، واتهمتها في عام 2004 بممارسة الجنس مع رجل متزوج . قالت عاطفة انها قد تعرضت للاغتصاب مرارا وتكرارا من قبل هذا الرجل الذي يبلغ من العمر 51 عاما. وكان القاضي غاضبا اشد الغضب في دفاع عاطفة عن نفسها بشكل بليغ, ويقال انه شخصيا وضع حبل المشنقة حول عنقها.
تقوم السلطات العراقية بتعذيب واغتصاب (وأحيانا تنفيذ الاعدام) بالآلاف من النساء المحتجزات في السجون بشكل غير قانوني, بسبب تهمة “الإرهاب”، بطبيعة الحال. كشفت هيومن رايتس ووتش عن دخول سجينة على عكازين في لقائها مع مندوبة هيومن رايتس ووتش. أنها، كما قالت، عانت تسعة أيام من الضرب والصدمات الكهربائية التي تركتها بعجز دائم. وقالت المنظمة ان التعذيب قد كسر أنفها، واحدث ندوبا على ظهرها, وكانت الحروق على صدرها متسقة مع معطيات السجينة. اما التقرير الرسمي فقد اعلن: “إنها أعدمت في سبتمبر عام 2013, بعد سبعة أشهر من مقابلة هيومن رايتس ووتش لها، على الرغم من المحكمة قد رفضت الاتهامات الموجهة لها … “
تحتجز الحكومة العراقية أكثر من 4،200 امرأة. وتدرك السلطات جيدا التأثير المفجع لحجز النساء على أسرهن، التي قد تكون أو لا تكون ضالعة في هجمات مسلحة على الحكومة أو أنصارها. احتجاز المرأة هو شكل من أشكال العقاب الجماعي لرجالهن. يطلب من النساء التوقيع على ورقة فارغة كي تضاف عليها “الجرائم” في وقت لاحق. نوري المالكي ، رئيس الوزراء العراقي، وعد العام الماضي بتحرير السجينات اللواتي لديهن أوراق الإفراج القضائية. ولكن لا شيء تغير.
اما جرائم الشرف, فقد اثبتت انها سرطان دائم في العالم المسلم, وهذه جرائم لا تترك أثرا للشك في أن الحكومات و السلطات الرسمية والمجتمع والأسر تقبل، في كثير من الأحيان بالرغم من الادانة الخافتة والمنافقة, هذه الجرائم ضد الإنسانية. التحريات التي اجريت في الأردن، -بالمناسبة يجب التذكير بهذا الأمر بمثابة اللازمة التصحيحية- تشير الى ان النساء المسيحيات اكثر عرضة للقتل من النساء المسلمات في جرائم “الشرف”.
في دول الخليج، النساء المهاجرات – عادة الفلبينيات – يقتلن بقطع رؤوسهن لزعم بانهن قتلن اشخاصا سعوديين, واللواتي, عند احتجازهن, يعاملن معاملة بالغة السوء وفي بعض الحالات حاولوا اغتصابهن. تقريبا جميعهن خضعن لمحاكمات جائرة. اعدمت المملكة العربية السعودية 40 امرأة بين عامي 1990 و 2010.
والعرف السائر بان الضحية يصبح مجرما يكاد ان يصبح قانونا في العالم الاسلامي, وخصوصا عندما تكون الضحية امرأة اولا ومهاجرة ثانيا.
فبعد تعرضها للإغتصاب الجماعي من قبل سبعة رجال في العام الماضي، تواجه مراهقة اثيوبية (18) عاما الحكم بالإعدام رجمًا بعد اتهامها بالزنا، بدلًا من الاقتصاص من الجناة الذين اعتدوا عليها في السودان. وهي تقبع ، حامل في شهرها التاسع، في زنزانة سودانية في ظروف قاسية. تنام على الأرض من دون فراش أو طعام أو ملابس مناسبة، وفقًا لما نقله نشطاء في المبادرة الاستراتيجية للمرأة في أفريقيا. وهذه تعرضت لاغتصاب جماعي من قبل سبعة سودانيين، لكن السلطات شاءت أن تحاكمها بتهمة الزنا. ويقول النشطاء إن منطقة السودان متهمة بالتمييز ضد الضحية المزعومة، والسبب هو أنها امرأة أولًا ومهاجرة ثانية، مطالبين بالإفراج الفوري عنها أو نقلها إلى المستشفى. وتقول الشابة الاثيوبية إنها اختطفت في أغسطس الماضي عندما كانت حاملاً في شهرها الثالث، حيث تعرضت لاغتصاب جماعي عنيف من قبل سبعة رجال في منطقة نائية من العاصمة الخرطوم. وبلغت الشابة الشرطة عن الحادثة، لكن المدّعي قرر عدم التحقيق في القضية بسبب “عطلة العيد”. وفقًا للمبادرة الاستراتيجية للمرأة في أفريقيا، عمل أحد الرجال على تصوير الاغتصاب على هاتفه، وانتشر التسجيل عبر وسائل الإعلام الاجتماعية بعد ستة أشهر، ما أدى إلى إلقاء القبض على كل الجناة المزعومين والضحية. وأحيلت القضية إلى المحكمة، لكن الشابة اتهمت بالزنا، على الرغم من أنها نفت هذه الاتهامات، مشددة على أن الفعل الجنسي كان ضد رغبتها، ومنعت من تقديم شكوى اغتصاب بحجة أنها قيد التحقيق بتهم أخرى، كما رفض المدعي العام طلبها بالافراج عنها مقابل كفالة مالية.
يؤكد فيسك بان هناك حجة مثيرة للقلق. فإذا كان يعترينا الغضب بسبب المعاملة الدنيئة للمرأة, هل يعني هذا أننا أقل شعورا بالغضب عندما يتعرض الرجال للتعذيب او الاعدام؟ الجواب هو بالطبع “كلا”، فالقتل القضائي للرجال ليس أقل الأشرار؟ ولكن اذا كانت المرأة هي أكثر عرضة للخطر – وهي بالتأكيد في الشرق الأوسط – فان حاجتها للحماية أكبر. ولكن هذا شيء, على حد تعبير فيسك, لم يجلبه الغربيون الى الشرق الأوسط عندما يعدون الحرية و “الديمقراطية ” للجميع: العدالة و الرحمة.