ربيع النساء المقهورات
الكاتب / توفيق أبو شومر
في كل سنة، أستعيد مرةً أخرى كتابا يستحق القراءة، صدر منذ حوالي أربع سنوات، وهو كتاب( نصف السماء) للزوجين الصحفيين في صحيفة نيويورك تايمز، نيكولاس كرستوف، وشيرل وادون، وسبب رسوخ الكتاب في ذاكرتي ، ليس لأنه حصل على جائزة بوليتزر، بل لأنه أورد إحصاءً خطيرا، للنساء المقتولات في العالم بسبب التمييز ضدهن في كل مجالات الحياة، تمييزٍ ، يصل إلى حدِّ التخلص منهن بالقتل. يُوردُ الإحصاءُ نتيجة صادمة وهي:
” إن عدد النساء اللاتي قُتلن في خمسين سنة مضت أكثر من عدد كل المقتولين من الرجال، في حروب القرن العشرين كله”
قتلُ النساء يجري بصمت، بدون أن يثير أحدا، وكأنهن متاعٌ بالٍ، يحق للذكور أن يتخلصوا منه وقتما يشاؤون!
ففي مجتمعات كثيرة في إفريقيا وأسيا، فإن المرأة سلعةٌ رخيصةٌ، تُباعُ وتُشترى في أسواق الجنس والخدمة، وهذه السوقُ السوداء للنساء، لها سماسرةٌ وتجارٌ كبار، يتولون مناصب رفيعة!
وفي مجتمعاتنا العربية، فإن غالبية الذكور العربَ اختصروا كلَّ الشرف والحصانة والأصالة، في جسد نسائهم، بعد أن عدموا هذا الشرف والعلو والرفعة في أوطانهم، بفعل ظلم حكامهم ومسؤوليهم، وغياب الديمقراطية بمفهومها الشامل، وانحسار الثقافة والتنوير، فلم يجدوا وسيلة يُنفِّسون فيها ضائقتَهم وقهرَهم واضطهادهم سوى المرأة المستضعفة، فاعتبروا قهرَها وقتلها شرفا أسريا ، وعِرْضا قبليا، وطهارةً عشائرية، وقد انتقلت مجتمعاتٌ عربية كثيرة من طور اضطهاد المرأة واحتقارها وإذلالها، إلى طورٍ آخر أكثر خطورة، حين يشعرون بالفخر والاعتزاز عندما يقتلون بناتهم وأخواتهم، لمجرد اتهامهن بمسّ الشرف العائلي والأسري، ويُناصرهم في جرائمهم –للأسف- حماةُ القانون، حين يغضُّون النظرَ عن هذه الجرائم، ولا يطبقون عليهم عقوبة القتل، باعتبار الأنثى المقتولة مخلوقا وضيعا، مملوكا للأهل والعشيرة!!
ما يحدثُ في كثير من الدول العربية، يشير إلى خلل خطير في المنظومة الأخلاقية العربية، وهو يشير أيضا إلى نقصٍ ثقافي وأيدلوجي، للأسف، تُساهم فيه كثيرٌ من الأحزابِ، والتياراتِ الثقافية، والمؤسسات والجمعيات، عندما تصمتُ خوفا من رداتِ الفعل المجتمع القبلي نحوهم!
فصورة المرأة في المجتمع هي مرآة صادقة لحالة المجتمع الثقافية، والاجتماعية ، والصحية، والثقافية.
يُضاف إلى المآسي، أن كثيرين من أدعياء الدين لا يُبرزون في مواعظهم وخطبهم الجرائم، التي تُرتكب بحق النساء، ويتناسون بقصدٍ شعاراتِ الإنصاف والمساواة بين النساء والرجال في الحقوق والواجبات، فهؤلاء يعمدون إلى إبراز القصص والأحاديث، التي تحطُّ من قدر المرأة، فقد أبرزوا الحديث الذي يقول:
“المرأةُ والحمارُ والكلبُ الأسودُ تقطع صلاةَ المُصلي إذا فصلتْ بينه، وبين القبلة”!!
وما يحدث للمرأة في كثيرٍ من الدول الأخرى،لا يقلُّ سوءا عما هو جارٍ في بلاد العرب، حين تُحرم المرأة من حقوقها، في العمل والعلاج والحياة الحرة الكريمة.
إن المرأةَ اليهودية الحريديةَ مثلا هي من أكثر النساء تعنيفا في العالم، لأنها بتعبير الحارديم المتزمتين (نجاسة) لا وظيفة لها في الحياة سوى إنجاب الأبناء الذكور، دون الإناث، وهي كما ورد في كتابي الجديد(قصص نساء يهوديات معنفات) من أكثر نساء العالم تعنيفا وقهرا، فقد ألصقتُ على غلاف كتابي الخارجي الأقوال التالية، كمؤشرِ على احتقار المرأة عند كثير من طوائف الحارديم المتزمتين، ومنها:
“أشكرك اللهمّ أنك لم تخلقني امرأة”؛ من أدعية صلاة الصبح عند الحارديم اليهود.
“يجب على الرجل ألاّ يسيرَ بين امرأتين، أو بين كلبين، أو بين خنزيرين”! من أقوال الراحل، أبرز حاخامي السفارديم، عوفاديا يوسف.
“ممنوع سيْر النساء على هذا الجانب من الرصيف”؛ يافطة معلّقة في شارع بمدينة بيت شيمش في القدس عام 2013.
“مَن يعلّم ابنته التوراة، يعلّمها الفجور، والأفضل أن تحرق التوراة على أن تُنقل للمرأة”؛ من التلمود”
وأخيرا هل تتمكن النساءُ المقهورات من تصميم ربيع نسائي في شكل ثورة للحصول على حقوقهن؟
وهل يتمكنَّ أولا من توحيد صفوفهن، والتخلص من أكبر التحديات التي تواجههن؟!!
ولعل أكبر التحديات التي تواجه النساء في العالم، ليس نقص الثقافة وانتشار الأمية في أوساطهن فقط، بل إن أكبر التحديات التي تواجههن هي توحيد صفوفهن، فأكبر عدوٍّ للمرأة، ليس الرجل، بل المرأة نفسها، حين تنضم نساءٌ نفعياتٌ كثيرات إلى جوقة الرجال ممن يدعون لانتقاص حقوق النساء في العمل والحياة والثقافة والإبداع، وكل ذلك لينَلْنَ رضا المجتمع الذكوري عنهن!!