لو لم أكن من غزة..
الكاتبة / سامية الزبيدي
لو كنت في مكان آخر من فلسطين، لو كنت في مكان آخر غير هذه البقعة التي لطالما أرقت العدو والصديق، لو لم أكن من سكان مخيم جباليا، القطعة الأحب الى قلبي من العالم، لو ولم أكن من قطاع غزة، الشوكة التي تؤلم خاصرة كثيرين داخله وخارجه.
ولو لم أكن كل ذلك، لربما كنت سأكون الآن، أو اليوم، في أقصى القارة الأفريقية، في جمهورية جنوب أفريقيا، رأس حربة معركة المقاطعة الفعالة لدولة الاحتلال وكيانها العنصري، التي تتصاعد في أكثر من 250 مدينة في العالم، وتخيف الكيان الصهيوني على المديين الآني والمستقبلي.
وربما كنت سأنقل لكم بقلمي وكاميرتي الصغيرة بعضاً من إحساس العالم بقضيةٍ ظن أصحابها لردح طويل من الزمن أنهم كف وحيد في مواجهة أشرس مخرز، ربما كنت سأثلج قلبي وقلوبكم بمشاهد سأخطها عن خطابات صادقة لم يلوثها الانقسام حول قضية فلسطين وعدالة قضيتها.
ربما سأبدو أكثر اطمئناناً وأنا أشهد أكثر من 75 جهة رسمية وأهلية جنوب أفريقيا تجتهد في 35 مدينة وضاحية من مقاطعاتها السبع؛ من أجل محاصرة نظام الفصل العنصري الصهيوني. وأطمئنكم أن البوصلة لا زالت تشير نحو الحرية والاستقلال والعودة، وضد العنصرية والتطرف والإحلال والاستيطان، وأنها ليست بوصلة فلسطينية فحسب، بل إنسانية واضحة المعالم لكل أحرار العالم.
ورغم أن الدعوة التي شرفني بها سفير فلسطين في جمهورية جنوب أفريقيا السيد عبد الحفيظ نوفل لا زالت قائمة بحسب تأكيداته للاطلاع على الجهد العالمي المؤثر الذي يبذل هناك، وممارسة دوري الصحفي بتغطيتها وسبر غورها، خصوصا أن فعاليات أسبوع الآبارتيد الإسرائيلي مستمرة بكثافة، ليس فقط خلال هذا الأسبوع الذي يبدأ اليوم، بل وخلال شهري آذار ونيسان في الدولة الاكثر “تعصباً” لحقوقنا التحررية والإنسانية، إلا أن مرارة شديدة تكتنف نفسي لتعذر وصولي إلى هناك بسبب الحصار والإغلاق الذي عاد ليكون سيد مشهد فلسطينيي قطاع غزة.
ولمن لا يعرف، فجنوب أفريقيا، التي تطل على محيطين، وتحضر في الذهن كممر تجارة العرب القديم عن طريق رأس الرجاء الصالح، ربما تكون الدولة الوحيدة غير العربية في العالم، والتي تقاطع على المستوى السياسي دولة الاحتلال الإسرائيلي احتجاجاً على استمرار احتلالها لفلسطين، علاوة على أنها تحتضن أكبر المظلات التضامنية مع الشعب الفلسطيني على مستوى العالم، وهو ائتلاف لجان التضامن مع الشعب الفلسطيني.
ومنذ العام 2005 تتصاعد وتيرة نشاطات دعم الشعب الفلسطيني ومقاطعة الاحتلال الصهيوني في جنوب أفريقيا، حيث ينظم سنوياً أسبوعاً لمكافحة العنصرية ودعم القضية الفلسطينية، علاوة على أن اسم فلسطين وقضيتها حاضرة في كل محطات توقف شعبها فرحاً أو حزناً.
لو لم أكن من غزة، لكنت بعد أسبوع من الآن أرفرف بعلمنا الموشح بالألوان الأربع في ضواحي مدينة جوهانسبرغ، في المنطقة التي غير اسمها الزعيم الأممي الكبير، الراحل نيلسون مانديلا من (أورانج فارم) أي حقل البرتقال إلى “فلسطين المركزية”، لا لأن الاسم الجديد أجمل، بل لأنه يمثل قضية، آمن بها الرجل الذي دفع عمره وشبابه من أجل حرية شعبه.
ولاستمعت من هناك لخطبة جمعة من نوع آخر، نوع إنساني، أممي، سياسي، وطني افتقدناه طويلا… وأترنم على وقع ضربات أجراس الكنائس وأنا أعلم أنها تقرع من أجل فلسطين، من أجل حريتها.
ربما تكون فعاليات رمزية، لكنها ذات دلالة عميقة ومهمة، فحاجتنا نحن الفلسطينيين ليست للمال السياسي الذي تركنا ضحية ابتزازه، بل لدعم صادق مؤمن بعدالة قضيتنا وحقوقنا الإنسانية، وهو دعم تقدمه جنوب أفريقيا بلا حدود، وبلا شروط. لذا تمنيت للحظة لو أنني لم أكن من غزة كي أكون فلسطينية هناك، فقط لمدة أسبوع.
إنها أمنية لمرة واحدة، تضاف بحسرة الى أمنيات الحياة السبع: وطن وعلم، ولعبة وكعبة، وسرير وأسرة، وطفل ينام على حضن أمه، لتصبح حينها الأمنيات ثمانية.
أو ربما تكون تلك الأمنية معرضة للشطب لو وجدتُ طريقاً آمنةً تأخذني إلى مضارب السمر، الذين تغاضوا عن لون بشرتهم، وتعدد لكناتهم، واختلاف دياناتهم، فأحبونا بالمجان، وانحازوا لقضيتنا أكثر من انحياز بعضنا إليها.