انتفاضة يوم الارض والعودة والثمار السياسية المطلوبة
بقلم / محسن ابو رمضان
شكل التحرك الشعبي الواسع على الحدود في قطاع غزة والذي شارك به مئات الآلاف من كافة الفئات والقطاعات السياسية والاجتماعية نقطة تحول نوعي في مسيرة الصراع مع دولة الاحتلال، حيث أعادت الجماهير المنتفضة الاعتبار لوهج القضية وصياغة الصراع على اصوله بوصفه صراعاً من اجل الحرية والكرامة .
لقد فشلت كل محاولات الاحباط التأييس وكي الوعي الممارسة من قبل الاحتلال بحق قطاع غزة وتبددت محاولات الالهاء حول سبل العيش بسبب معدلات الفقر والبطالة الناتجة عن الحصار والانقسام ، كما تحطم رهان الاحتلال على نسيان القضية الوطنية واعتماد الاولويات المعيشية والحياتية بدلاً منها .
ادرك الشعب بالقطاع بأنه من الضروري التصدي لأسباب الازمة وليس إلى تداعياتها وارتداداتها الاقتصادية والمعيشية ، حيث تتمثل اسباب الازمة بالاحتلال والعدوان، كما أبرز مدى تقاعس المجتمع الدولي على الزام اسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ومنها قرار حق عودة اللاجئين 194 والذي صدر قبل سبعين عاماً من الان .
لقد اثبتت غزة انها ولادة للهوية الوطنية وانها عصية على الانكسار كما اثبتت انتفاضة يوم الجمعة في 30/3 مدى قدرة شعبنا على الوحدة والتلاحم في خندق الكفاح الواحد في مواجهة جنود الاحتلال ومن اجل الحرية والكرامة .
إن انخراط كافة القوى والفاعليات المجتمعية في هذا الحدث الانتفاضي الكبير والرائع ترابط مع اعمال المقاومة الشعبية السلمية في كل من الضفة والشتات ومناطق 48 ،وان كانت بدرجات أقل عن الحدث الابرز الذي تم بالقطاع بسبب درجة المعاناة الشديدة التي يعيشها الشعب بالقطاع حيث الحصار المديد والطويل والذي وضع حوالي 2 مليون انسان في معتقل كبير .
عكس هذا الفعل الانتفاضي الواسع مدى اصرار وإرادة شعبنا على الاستمرار في مسيرة الكفاح ، حيث اثبتت الاجيال الصاعدة من الشباب والذين ولدوا بعد توقيع اتفاق اوسلو انهم بعيدين عن اليأس والقنوط ومتمسكون بحقوق شعبهم ومتسلحين بالإرادة وبالمقاومة الشعبية والسلمية التي تستند إلى القانون الدولي، وذلك رغم ظروف المعيشية الصعبة التي يحيوها ، حيث وصلت معدلات البطالة بين صفوف الشباب في قطاع غزة إلى 60% وهي الاعلا بالعالم .
بعد اكثر من خمسة وعشرون عاماً من المفاوضات والتي استغلتها اسرائيل لفرض مزيداً من الوقائع على الارض سواءً عبر مصادرة مساحات واسعة من الاراضي بالضفة وبناء آلاف الوحدات الاستيطانية عليها أو عبر تهويد القدس أو عبر فرض الحصار واعمال العدوان على قطاع غزة ، فقد بات مطلوباً تغير هذا المسار بإتجاهاً جديداً مستمداً من زخم ووهج الفعل الانتفاضي الكبير الذي تم في يوم الارض الخالد وما زال مستمراً بأشكال مختلفة وصولاً إلى يوم النكبة في 14/5 وهو الموعد الذي قررت به إدارة ترامب نقل السفارة الامريكية إلى القدس .
لقد انتقلت الولايات المتحدة بعد قرارات ترامب بخصوص القدس والاونروا واللاجئين وعدم الاعتراض على الاستيطان من موقع الحليف الداعم إلى الشريك الكامل مع دولة الاحتلال بالاعتداء على حقوق شبعنا وفي تجاوز للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ، وقد اكدت ذلك مؤخراً باستخدامها حق النقض الفيتو على قرار من مجلس الامن يدين الاحتلال ويطالب بلجنة تحقيق دولية نزيهة تجاه انتهاكاته وباحترام القانون الدولي الانساني .
من غير المجدي البحث عن آليات جديدة للتفاوض دون القدرة على تعديل موازين القوى لصالح حقوق شعبنا وذلك بالاستناد إلى الزخم الانتفاضي الكبير وإرادة التحدي التي عكست في يوم الارض الخالد .
لقد اعادة الموجة الانتفاضة الراهنة الزخم للقضية الفلسطينية بعدما تعرض إلى محاولة التهميش والاقصاء والشطب بسبب الاحداث التي تتم بالإقليم وبعد ان اعتقدت كل من الولايات والمتحدة واسرائيل بأن اللحظة اصبحت مواتية للإجهاز على القضية عبر ما يسمى بصفقة القرن وغيرها من المشاريع التي تستند إلى فلسفة السلام الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة والحكم الذاتي وذلك بدلاً من حقنا في تقرير المصير تنفيذاً للقانون الدولي .
إن الاستثمار الافضل لانتفاضة يوم الارض والعودة يكمن بالقدرة على انهاء الانقسام واعادة بناء المؤسسة التمثيلية الجامعة والمجسدة ب م.ت .ف على قاعدة من الشراكة بما يشمل بذل كل الجهود لعقد دورة توحيدية للمجلس الوطني وفق مخرجات بيروت 2017 ، وبما يساهم في تشكيل قيادة وطنية موحدة قادرة على إدراة الصراع الوطني في مواجهة الاحتلال عبر المقاومة الشعبية والسلمية والتي اصبحت ثقافة واسعة الانتشار في مجتمعنا بوصفها قادرة على تحقيق الانجاز والمراكمة عليه ، وعبر حملة المقاطعة وكذلك تدويل القضية بالمحافل الدولية .
لقد فشل الرهان على تحويل السلطة إلى دولة حيث تريدها اسرائيل اداة للتنسيق الامني ولإدارة شؤون السكان ليس إلا الأمر الذي يتطلب اعادة صياغتها لكي تصبح احد ادوات المنظمة التي من الهام بنائها على قاعدة وحدوية وديمقراطية وتشاركية بوصفها البيت المعنوى لشعبنا والقادرة على التعبير عن هويته الوطنية الجامعة في كل من غزة والضفة والقدس ومناطق 48 والشتات وذلك في مواجهة سياسة التجزئة والتفتيت الممارس من قبل الاحتلال ، والتي تهدف إلى تبديد مقومات الهوية الوطنية الجامعة .
ربما تلجأ الولايات المتحدة واسرائيل إلى محاولات لامتصاص هذا الزخم الانتفاضي الكبير الذي تم في غزة وذلك باتجاه التقدم بمشاريع ذات علاقة بالسلام الاقتصادي في دويلة غزة على ان تمتد ولايتها الإدارية لاحقاً إلى بعض المناطق المأهولة بالضفة الغربية تنفيذاً لمخططات حكومة اليمين المتطرف في اسرائيل بهدف تقويض حقوقنا الثابتة والمشروعة .
وربما سنسمع بعض الاقتراحات من قبل تنفيذ المشاريع الاستثمارية والانعاشية لقطاع غزة لإعادته إلى الدائرة الانسانية بدلاً من السياسية وذلك عبر استغلال حالة تدهور مستوى المعيشة والظروف الحياتية الانسانية الصعبة التي يعيشها الناس بالقطاع .
لا يعنى ذلك ان نرفض تنفيذ اية مشاريع غير مشروطة بحاجة لها الناس بالقطاع ولكن مع الانتباه إلى أن لا يمهد ذلك إلى ابعاد سياسية تشكل مقدمات باتجاه فصل القطاع عن الضفة .
من الهام ابداء اليقظة في المرحلة القادمة ، حيث ستنشط براي المقترحات الرامية إلى تنفيس الانفجار أو الاحتقان في قطاع غزة عبر مشاريع مبنية على فلسفة السلام الاقتصادي وذلك امتداداً للمؤتمرات التي عقدت في كل من البيت الابيض وبروكسل والتي بحثت خطورة تدهور الاوضاع الاقتصادية بالقطاع وتقدمت بمقترحات ذات طابع تنموي واستثماري واقتصادي بالقطاع.
يجب ان تبقى البوصلة محددة باتجاه الموضوعات الوطنية والسياسية عبر الاصرار على انهاء الاحتلال وضمان تنفيذ حقوق شعبنا بالحرية والاستقلال والعودة .