النساء.. لازلن قوة غير مرئية لمحاربة الفساد
كتبت هداية شمعون
هل النساء هن الفئة الأكثر تضررا بفعل الفساد؟! وهل وصول مزيد من النساء إلى المناصب العامة وصنع القرار سيحسن نوعية وطرق مكافحة الفساد وبالتالي الحد من انتشاره.؟! أسئلة متعددة تجد طريقها في مساحة تفاكر ما بين تأثير الفساد على النوع الاجتماعي أو تأثير النوع الاجتماعي على الفساد..
حقيقة أن النساء هن الأكثر تأثراً بنتائج الفساد، خاصة في مجال تقديم الخدمات، ونظرا للأدوار الإنجابية والإنتاجية التي لازالت ذات التأثير الأكبر في مجتمعنا الفلسطيني فالنساء هن من يتحملن مسؤولية متابعة الوضع الصحي والتعليمي لأطفالهن، وبالتالي هن من يكن بحاجة لتلقي الخدمات المباشرة لهن ولأطفالهن وأسرهن، وانتشار الفساد في المجالات المركزية من صحة وشؤون اجتماعية وتعليم ينعكس مباشرة على الخدمات المقدمة للمتلقيات ويؤثر في النوعية والجودة وعدالة الحصول على الخدمات لأغلبية النساء متلقيات الخدمة، كما تعاني النساء بسبب كونهن نساء فيتعرضن للتحرشات الجنسية مقابل الحصول على خدمات هي حق لهن، ولكن بفعل الفساد يصبحن فريسة للفساد والفاسدين.
بسبب الفساد أيضا تدفع النساء ثمن تدني مستويات الخدمة المقدمة كما ونوعا، لاسيما في مجالات تقديم الخدمات العامة، كون النساء يشكلن غالبية النسبة من الفقراء، ويتحملن مسؤولية رعاية الأسرة، وطلب الخدمات من صحة وتعليم ومساعدات اجتماعية وبنية تحتية، إذ تعاني المرأة الفلسطينية من الفساد أكثر من الرجل حيث يقلص الفساد من حضور ومشاركة المرأة في مراكز صنع القرار، ومن ممارسة حقوقها الاجتماعية والسياسية’.
علاقة الفقر والبطالة بالفساد:
إن العلاقة بين الفقر والبطالة بالفساد هي علاقة طردية فكلما زاد الفساد زاد الفقر وقلت الفرص وزادت نسب البطالة، والنساء هن الأكثر تضررا ودفعا للثمن لأنهن لازلن يعانين من حرمان حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولازلن يناضلن من أجل تحقيق المساواة والعدالة، إن إهدار المال العام وازدياد المحسوبية والواسطة والرشاوي إضافة لأشكال أخرى من الفساد في القطاعات الأكثر خدماتية تضر بتكاملية الخدمات العامة المقدمة للنساء، وتقلل من جودة الحياة، وتزيد من افقار النساء واستغلالهن وتؤدي إلى مزيد من التراجع لمطالبات حقوق المرأة والمساواة والعدالة الاجتماعية، وبالتالي فهذه الدائرة التي لا تنتهي تكشف مدى تأثير الفساد على عدالة قضايا النوع الاجتماعي، وتزيد من الفجوات والتحديات لتحقيقها، بل وتمس بأبجديات الحقوق للنساء بكل المستويات والمجالات والقطاعات.
كما أن تزايد الفساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية شكل عبئا إضافيا بتبديد الخطط التنموية ما أدى إلى تبديل الأولويات وتهميش أولويات واحتياجات النساء والفئات الفقيرة والمهمشة، واستمرار الفساد في ملفات التعيينات للوظائف العليا وغياب معايير النزاهة والشفافية في التوظيف يؤدي إلى مزيد من التأثر بدرجة أكبر للنساء. وبنظرة إحصائية بلغت معدلات البطالة بين الخريجات والخريجين 46.6%، بينما تجاوزت نسبتها في أوساط الشباب 60%، وفي صفوف النساء تجاوزت 85% كما ووصلت نسبة الفقر بين الأسر التي ترأسها نساء في قطاع غزة 54%، وفي الضفة الغربية 19%.
النساء والوظائف العامة:
لا زالت مشاركة النساء في القوى العاملة منخفضة جداً مقارنة مع الرجال، فقد بلغت نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة 21% من مجمل النساء في سن العمل في العام 2018 بينما بلغت نسبة مشاركة الرجال 72%، ولازالت فجوة معدل الأجر اليومي واضحة فبلغ معدل الأجر اليومي 92 شيكل للنساء مقابل 192 شيكل للرجال.
إن إقصاء النساء عن المناصب السياسية أو استغلالهن لممارسة الفساد، يؤدي إلى تقليص دور هن في فرص تعديل وتنفيذ السياسات اللازمة لمكافحة الفساد، كما ويستمر خضوع المرأة للضغوطات من قبل الرجال للسيطرة عن حالات الفساد وعدم التبليغ، إضافة لقلة الوعي والدعم الاجتماعي لضحايا الفساد والخوف الدائم من الانتقام. ولم تشهد السنوات السابقة تطوراً ملموساً على صعيد تحقيق الحد الأدنى من المساواة، فعلى صعيد المشاركة السياسية والاقتصادية تكشف المؤشرات المتعلقة بمشاركة المرأة في الحياة السياسية تدني مستوى مشاركتها وخصوصاً في مستويات صنع القرار، فما زالت نسب تمثيل النساء في المؤسسة العامة بالكاد تُذكر مقارنة مع نسب تمثيل الرجال.
إذ تتركز النساء في الوظيفة العامة في فلسطين غالبا في المستويات الادارية المتوسطة والدنيا، حيث تشكل الاناث من درجة مدير عام فأعلى (في القطاع المدني) 11.3% من مجموع المدراء العاميين، مقابل 88.7% من الذكور لنفس الدرجة. ولازالت ذات النسب تراوح مكانها في ظل عدم تغيير سياسات أو تدخلات مشاركة المرأة في الحياة العامة والسياسية.
إن النساء العاملات في الوظيفة العمومية يعتبر موقعهن الوظيفي محددا رئيسيا لدورهن في مكافحة الفساد خاصة في مجال مشاركتهن في اتخاذ القرار، ورسم السياسات، الذي يسهم بصورة كبيرة في الحد من مكافحة الفساد، حيث يلاحظ تدني نسبة اشغالها للمناصب الإدارية العليا في الوظيفة العامة، كما يلاحظ تدني نسبة مشاركتها في التبليغ عن حالات الفساد، وذلك بسبب الضغوط الاجتماعية، والخوف من اتخاذ إجراءات عقابية ضدها، وما قد تتعرض له من إيذاء وتهديد، في ظل عدم توفر حماية المبلغين عن الفساد.
أثر الفساد على المرأة في مجال الخدمات العامة- قطاع الصحة:
يحرم الفساد في القطاع الصحي النساء ضمن الفئات المهمشة من الوصول لتلقي الخدمات الصحية المناسبة، من حيث نوعية الخدمة المقدمة، وتوافرها في مرافق يسهل الوصول لها لكل النساء، وإمكانية الوصول لها لذوات الإعاقة والجريحات والمريضات عموما، ومدى ملاءمة هذه الأماكن لكافة شرائح النساء، ومن حيث المقبولية كمؤشر للحق في الصحة بمعنى احترام المرافق والخدمات بمراعاة الفوارق بين الجنسين، إذ تعاني النساء من الواسطة والمحسوبية التي تطغى على الحق في العلاج، وملف التحويلات الطبية في قطاع غزة تحديدا، وإهدار المال العام بسبب التحويلات الطبية التي تتم بالواسطة والمحسوبية أو بمنعها كما هو الحال مع مريضات السرطان، والفساد في إفلات مرتكبي الأخطاء الطبية من المساءلة، والنقص المستمر في الأدوية، أو فسادها في أحيان أخرى، كما أن الفساد السياسي والانقسام قد ساهما بزيادة انتهاكات الحق في الصحة وفرص العلاج من خلال المناكفات السياسية التي أدت إلى تقليص الخدمات ونقص الأدوية في قطاع غزة وأسوأ مثال ملف التحويلات الطبية.
أثر الفساد على المرأة في تقديم الخدمات العامة – الشؤون الاجتماعية:
إن اضعاف المجتمع المدني بكل مكوناته وفي ظل غياب وطني وقانوني لتنظيم عمل المؤسسات العاملة في المجال الاجتماعي والاغاثي وتزايد الجهات التي تقدم المساعدات الإنسانية عينية ومالية لفئات مختلفة أدى إلى الحد من العدالة في توزيع المساعدات ما طال النساء الفقيرات، واستمرار غياب البوابة الالكترونية الموحدة لوزارة التنمية الاجتماعية يعني استمرار عدم وصول المساعدات الإنسانية، لكل الفئات المستحقة بما فيها النساء، فلضمان العدالة في التوزيع يتوجب العمل على اعتماد دليل المساعدات الإنسانية ومعايير النزاهة والشفافية لكافة العاملين في مجال المساعدات الإنسانية، وهذا سيسهل على النساء معرفتهن بحقوقهن وآلية تقديم الشكاوى ومعرفة طرق متابعتها، يتوجب تخصيص بيئة مساندة للنساء على اختلاف مستوياتهن العلمية والتعليمية وطرق لتقديم الشكاوى والاعتراضات والمتابعة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن هنالك ما يقارب من 119 ألف أسرة تقع تحت خط الفقر منها 74.596 أسرة في قطاع غزة تتلقى مساعدات نقدية من وزارة التنمية الاجتماعية، تتضمن أسر ترأسها نساء، وأشخاص من ذوي الاعاقة ومسنين وأيتام وأصحاب أمراض مزمنة غالبا ما تكون النساء مسؤولات عنهم، هذا يعني أن دور النساء في معرفة قدرتهن وامكاناتهن لكشف أي شبهات فساد في مجال تقديم الخدمات الاجتماعية يتوجب أن يكون دورا رياديا مميزا، إلا أنهن وفي هذا السياق لازلن بثوب الضحايا ومتلقيات الخدمة وحسب، يتوقع أن يكن قادرات على الوصول للمعلومات ولمعرفة آليات التوزيع للمساعدات وللاعتراض وتقديم الشكوى ولمساءلة الجهات المختصة، وذات العلاقة وهنا يأتي دور المؤسسات النسوية والأهلية وأيضا الحكومية بضرورة تطوير آليات حداثية تواكب كافة الشرائح المستهدفة على اختلافها.
ووفق استطلاع رأي أمان للعام 2018 فإن المجال الأكثر فسادا هو توزيع المساعدات الإنسانية والاجتماعية العينية والنقدية من وجهة نظر الجمهور في قطاع غزة بنسبة 39% ما يتطلب برامج مكثفة لاستهداف النساء متلقيات الخدمة ليتمكن من لعب دور رئيسي في جهود مكافحة الفساد.
دور النساء في الإبلاغ عن الفساد:
في العام 2018 بلغ عدد المتوجهين للإبلاغ عن شبهات فساد أو متضررين 704 مواطن فلسطيني (562) ذكور (123) إناث، وفي العام 2013 بلغ عدد الشكاوى الواردة لهيئة مكافحة الفساد (392) شكوى منها فقط (24) نساء قمن بالإبلاغ، وفي العام 2014 بلغت الشكاوى (254) شاركت النساء بالتبليغ فقط (18) حالة، وهذا يشير إلى ضعف دور النساء في الإبلاغ مقارنة بالذكور الأمر الذي يرجع إلى الثقافة المجتمعية فالنساء بحاجة لاستشارة العائلة، أو الخشية من فقدان الوظيفة ومصدر الرزق، كما أن بيئة تقديم الشكاوى غير مهيئة لحساسية النوع الاجتماعي من الأساس. إن للنساء دور في الإبلاغ عن شبهات فساد من خلال تقديم الشكاوى والبلاغات والتوجه حيث المتابعة لشكواهن بكافة القنوات المتاحة سواء عبر الاعلام أو جلسات الاستماع أو المساءلة أو الجهات الرقابية ذات العلاقة، لكن بالتأكيد لزيادة جهود النساء يتوجب ضمان الحماية الكافية لهن ولأسرهن بأن تكون آليات التبليغ تحفظ السرية التامة، وتراعي الحساسية الجندرية.
النساء قوة (غير) مرئية لمواجهة الفساد
لقد دعت خطة التنمية المستدامة لعام 2030 إلى تكثيف العمل على التقليل في معدل الفساد كجزء أساسي من الجهود الرامية إلى بناء مجتمعات سلمية وشاملة في إطار الهدف 16، وهذا اعتراف متكرر بأن الفساد يمكن أن يدمر التنمية المستدامة، ويقوض دعائم المجتمع فالأمم المتحدة تعتبر أن الفساد هو أحد أكبر المعوقات أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 وهو كذلك بالفعل، فهنالك 90 مليار دولار سنويا تهدر بفعل الفساد في العالم العربي، ماذا لو استثمرت هذه الأموال المهدرة في قطاعات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية وغيرها من قطاعات حيوية، ينطبق الأمر علينا في فلسطين فتكلفة الفساد باهظة جدا والنساء أكثر من يدفع الثمن.!
إن مكافحة الفساد هي بالتأكيد مسؤولية جماعية تتم مواجهته ومحاربته بشتى الوسائل والطرق للوصول إلى رؤية تمثلنا جميعا تتلخص في “مجتمع خالي من الفساد”، فكافة القطاعات الحكومية والأهلية والنسوية وصناع القرار وراسمي السياسات وموظفي القطاع العام ومقدمي الخدمات العامة لهم، بالإضافة للمواطنين والإعلاميين والاعلاميات وكافة الشرائح الأخرى لهم دور فعال في الحرب على الفساد.
لذا يجب التأكيد على توفير حاضنة قابلة لحماية النساء اجتماعية وثقافية حتى يمكن إخراطهن لبذل جهود مضاعفة في مواجهة الفساد المنتشر في كافة القطاعات، كما يجب أن تلمس النساء أهمية وجدوى دورهن في الإبلاغ وتقديم الشكاوى والمشاركة بكافة الجهود لمكافحة الفساد، ليدركن أن دورهن ومساهمتهن ستحسن من مستوى الخدمات المقدمة لهن، وستساهم في تعزيز الوصول لحقوقهن، والدفع بعجلة العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص والعمل، وهذا يعني قدرتهن على التأثير في أبناءهن ووعيهم، وتثقيفهن والحاجة ماسة لتوعية الأجيال الجديدة كي تحارب ثقافة الفساد والمحسوبيات والرشاوى وهدر المال العام.