العنف ضد المرأة يدفع بها إلى الهامش
كتبت عطاف عباسي
العنف ضد المرأة على اساس العصبية الجنسية سمة متأصلة في النظامين الأبوي والرأسمالي، حيث يُستخدم كأداة للسيطرة على حياة النساء وأجسادهن ونشاطهن الجنسي، من قبل الأفراد والمؤسسات الأبوية والدول. وعلى الرغم من أنه يؤثر على النساء كافة كمجموعة اجتماعية، إلا أن لكل فعل عنيف سياق محدد، وعلينا أن نفهم آلية وزمن وأسباب حدوثه.
للعنف ضد المرأة عواقب وخيمة لا تقتصر على المرأة فقط، بل تشمل جميع الطبقات الاجتماعية والثقافات والاديان والمواقف الجيوسياسية، وذلك خلافاً للمفهومين السائدين بأن هذا النوع من العنف هو حالة متطرفة تشـمل الأفراد، وينحصر في الطبقـات الاجتماعية الدنيا والمجتمعات البربرية.
على الرغم من أن العنف ضد النساء والفتيات هو أكثر شيوعًا في الحياة الخاصة – كالعنف المنزلي – سواء كان عنفاً، أم اعتداءً جنسيًا أو جسديًا أو نفسيًا –إلا أنه يحدث في مجال الحياة العامة أيضاً، بمـا في ذلك (على سبيل المثـال لا الحصر): قتـل النساء، التحرش الجنسي والنفسي في مكان العمل، أشكال مختلفة من الاغتصاب، المتاجـرة بأجساد النساء، بغـاء الأطفال، الدعارة، المواد الإباحية، العبودية، التعقيم، رهاب المثلية، الحرمان من الإجهاض الآمن، الخيارات الإنجابية وتقرير المصير، إلخ. الا أن الصمت والتمييز والإفلات من العقاب واعتمـاد النساء على الرجال والتبريرات النفسية، كل ذلك يؤدي إلى تفاقم العنف ضد النساء وتَقبلِه والتغاضي عنه.
يُستخدم العنف، أو التهديد بالعنف، أو الخوف منه، كوسيلة لإقصاء النساء مـن المجال العام، حيث تدفع النساء حيـاتهن مقابل العمـل خارج المنزل، أو للذهاب إلى المدرسة أو الجامعـة، و”للجرأة” على عيش حياتهن الجنسية بشكل مفتـوح، على ان يبقين في المجال الخاص الذي يمليه عليهن النظام الابوي. وغالباً ما يتخذ القمع ضد الناشطات، في سياق تجريم الـحركات الاجتماعية والاحتجـاجات، شكل عنفٍ جنسي متعدد الأشكال، ولأسباب تتعـلق بالبنية الجسدية، وحتى بلون البشرة واللغة والعرق والطبقة الاجتماعية والدين، والجنس. فالعنف متجذر في النظامين الابوي والرأسمالي اللذين يفرضان الحاجة إلى السيطرة على، وامتلاك، واستغلال جسد النساء، وتصنيفهن إلى فئتين: “القديسات” و “الآثمات”. وبناء عليه فالعنف هو عقاب من لا تندرج في فئة القديسات- فئة الامهات والزوجات الصالحات.
على سبيل المثال، من الشائع تبرير الرجل إلحاق الأذى بالزوجة لفظياً أو جسدياً بدعوى عدم القيام بمهامها المنزلية. ويبرر المعتدون، والمجتمعات العنف الجنسي وعقاب “التي تخرج لوحدها ليلاً”، او ضد “المرأة المثلية”، والحاجة إلى تعليمها أن تكون مغايرة جنسياً.
كجزء من الثقافة الأبوية، ترتبط الذكورة بالعدوانية، يتعلم الشباب أن إظهار العنف وليس العاطفة هو ما يجعل منهم “رجالاً حقيقين”، مما يؤدي في بعض الحالات إلى انضمامهم لعصابات جنسية. وأصبح العنف ضد الشابات، وفتيات المدارس، والعنف الجماعي في المدارس، أكثر شيوعاً بشكل يومي، وأضحى اساساً للعلاقات الجنسية بين الشباب والشابات، بدون أي نقاش عام حول هذا النمط المدمر.
تتضمن الفكرة الأبوية – عن ملكية النساء للرجال – جانبًا اقتصاديًا يتم التعبير عنه في اتحاد الأبوية مع الرأسمالية، ويفرض تقسيمًا جنسيًا للعمل مع أدوار “طبيعية” للمرأة والرجل. وبهذه الطريقة، تُعتبر المرأة عمالة حرة في المجال التناسلي، ومتاحة دائمًا لرعاية الآخرين وكل ما يستتبعه هذا العمل. و يتم استغلال عمل المرأة، ومن ناحية أخرى، يُستخدم العنف للحفاظ على هيمنتها من قبل الرجال. وبالتالي لا يمكننا التحدث عن القضاء على العنف ضد المرأة بدون الدعوى للقضاء على الانظمة الأبوية والرأسمالية والاستعمارية.
تزداد حدة العنف ضد المرأة وكره النساء بسبب سياسات وفاعليات العولمة الليبرالية الجديدة التي ترسخ قبضتها على الاقتصاد. تزداد حالات قتل النساء مع تشجيع اتفاقيات التجارة الحرة في الأمريكيتين وتنفيذها (مثل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية): حيث تُقتل أعداد كبيرة من النساء المكسيكيات عند محاولتهن عبور الحدود. ويزداد الهجوم على حق الانجاب والخدمات الصحية مع خصخصة الخدمات الاجتماعية، أو خفض ميزانياتها. كما يتم تهريب الفتيات الأصغر سناً بسبب عولمة صناعة الجنس، وتُغتصب النساء في الحروب باسم “نشر الحرية”، و تُبرر الانتهاكات المرتكبة من قوات خارجية (غزو أفغانستان من قبل امريكا) تحت غطاء الدفاع عن حقوق المرأة.
كيف يمكننا محاربة العنف ضد المرأة؟
اننا ندرك بأن القوانين واللوائح التي وضعت لحماية المرأة غير كافية، مثل سيداو(اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة) ولا تُنفذ في الكثير من البلدان، ولا تتناول دور الرجل في ممارسة العنف، ولا تشجب حقيقة التمييز الهيكلي للعنف. وغالباً ما تكون التدابير العقابية غير كافية، وخاصة بما يتعلق بالعنف ضد المرأة التي لا تندرج ضمن الطبقة المتوسطة أو المتمدنة أو البيضاء. يقع على عاتق الدول الالتزام بالتصدي للعنف واتخاذ التدابير الفعالة ضد الاتجار بالنساء والاطفال، وحماية الأقليات ( النساء الملونات، وديانات معينة، الخ)، وحماية النساء الريفيات والمهاجرات ونساء الشعوب الأصلية، والقيام بإجراءات لمنع أعمال العنف قبل وقوعها.
نحن بحاجة إلى مناقشة دور الحكومات والدول التي تلعب، في الوقت الحاضر، دور الحامي والمضطهد في آن واحد، المدافعة عن الامتيازات الابوية العنيفة (ضد النساء والشعوب الأصلية والمهاجرين والأشخاص الملونين). علاوة على ذلك، فإن الشرطة ذاتها التي تطبق غالبية السياسات التي نطالب بها، هي نفسها التي تمارس العنف ضد المرأة، وتقمع الحركات الاجتماعية، وتنحاز اجتماعياً وعرقياً. ندرك ان سبب هذا التناقض المتأصل هو لجوء العديد من النساء إلى الدولة التي تمثل قوة خارجية متفوقة، كطريقة وحيدة للدفاع عن انفسهن وعائلاتهن. على العكس من ذلك، نحن نطالب بالدولة التي تعزز الحريات والحقوق للجميع، والمبنية على أشكال مختلفة من الديمقراطية التشاركية، والتي تخضع لمراقبة مواطنيها.
لقد قاومت المرأة دائمًا، ومازالت، العنف ضدها بشكل فردي وجماعي، وهي بذلك تنفصل عن النموذج السائد. نحتاج أيضًا إلى مواجهة والتنديد بالتواطؤ بين الرجال ومؤسسات الدولة العسكرية والدينية، نحتاج إلى تعبئة المجتمع المدني، ووضع استراتيجيات، وتشجيع إجراءات راديكالية لمنع وشجب عنف الذكور ضد المرأة. في هذه العملية، يلعب قطاع النساء غير الهادفة للربح – الذي يقدم خدمات ضرورية لشفاء النساء وتمكينهن – والحركات المحلية القوية – التي تعتبر نساء المجتمع من أبطالها – دوراً حاسماً. تم توثيق مدى وشدة سوء معاملة الرجال، ومن أجل وضع هذه المسألة على أجندة المجموعات النسائية، والمنظمات المختلطة، والبرامج الإذاعية المجتمعية، والصحف، وغيرها من وسائل الاتصال التي تستخدمها الحركات، نؤمن أن على الحركة النسوية الانخراط في المناظرات السياسية والأعمال التي من شانها دعم التغييرات في الثقافة الأبوية من أجل تعزيز الاعتماد على الذات، وتقرير المصير، و وبناء حياتنا دون عنف.
نقدر، كخطوة مهمة في هذا الصراع، حقيقة التزام الحركات الاجتماعية المختلطة – الحضرية أم الريفية – بمكافحة عنف الذكور ضد المرأة. ونعلن تضامننا مع فيا كامبيسينا في “الحملة العالمية لإنهاء العنف ضد المرأة” التي أُطلقتها في مؤتمرها الدولي الخامس الذي عقد في موزمبيق في أكتوبر 2008. ونقر بأهمية مساءلة الذكور مرتكبي العنف من قبل الرجال والنساء على حد سواء.
لذلك فنحن نطالب :
اعتماد تدابير تُلزم كلياً الجهات الفاعلة بالاعتراف بالنساء كأفراد وكمواطنات بكامل الحقوق منذ الطفولة. على سبيل المثال: استخدام التعليم الشامل، تعزيز التعليم غير المتحيز جنسياً، الذي يقطع الانقسامات بين الأدوار الجنسية والتسلسل الهرمي التقليدي بين الفتيات والفتيان، وحملات التثقيف الشعبية وضمان المساحات للمشاركة السياسية.
الدعم المالي للحركات النسائية وقطاع المرأة الذي لا يهدف إلى الربح، والذي يحتل موقع الصدارة في دعم الناجيات من التمييز وسوء المعاملة والعنف.
محاسبة وسائل الإعلام التجارية، بصفتها المتحدثة باسم النظام الأبوي والرأسمالي، على استمرار تشويهها الجسد الأنثوي واختلاسه وإساءة معاملته.
منع العنف ضد النساء والفتيات من خلال أنشطة التوعية، وشرح أسبابه، وكيفية ظهوره، بالإضافة إلى تشجيع التنظيم الذاتي للمرأة .
إدانة الاستخدام المنظم لجسد المرأة كأداة حربية في النزاعات المسلحة، وشجب نبذها وأطفالها(المولودين جراء الاغتصاب) من قبل عائلتها ومجتمعها، وعدم تحميلها مسؤولية العنف.