معوقات المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية
الباحثة / دنيا الأمل اسماعيل
تعد المشاركة السياسية في أي مجتمع محصلة نهائية لجملة من العوامل الاجتماعية الاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية؛ تتضافر في تحديد بنية المجتمع ونظامه السياسي وسماتهما وآليات اشتغالهما، وتحدد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقها مع مبدأ المشاركة الذي بات معلماً رئيساً من معالم المجتمعات المدنية .
ومع تنامي الحركات النسوية والحقوقية عبر العالم وفي المنطقة العربية خصوصاً، أصبحت المطالبة ملحة بتفعيل دور النساء في المجتمع وإشراكهن في العملية الديمقراطية والتنموية. فكل الدراسات والبرامج الدولية والتقارير الصادرة حول التنمية في الدول العربية تفيد أن التنمية لا يمكن أن تتحقق في غياب الديمقراطية وفي غياب مشاركة النساء. كما تبين الدراسات أن الديمقراطية لا يمكن أن تتطور إلا بتدعيم حقوق المواطنة واكتساح الفضاء العام من قبل المواطنين/ات ، ولا تكون الانتخابات ديمقراطية إلا إذا مكنت الأحزاب السياسية النساء من الترشح بصورة جدية، ولكن رغم كل هذه الجهود الدولية، فإن تحقيق المساواة ووصول النساء إلى مراكز القرار ظل محدوداً للغاية. ولم نلحظ تزايدا في أعداد النساء في المناصب التمثيلية المختلفة. إضافة إلى أن المؤسسات السياسية والأحزاب السياسية والنقابات لم تزل تفتقر إلى القدرة على التعبير عن مصالح النساء ومعالجتها في السياسة العامة.
وحتى في مرحلة ما بعد الصراع أو الاحتجاجات والثورات على الرغم من مشاركة النساء الحقيقية فيها، لكنهن لم يصلن إلى مواقع القرار في المؤسسات الديمقراطية التي أنشئت لتحقيق الانتقال الديمقراطي إلا بصفة محدودة للغاية..
من جانب آخر، نجد على المستوى الدولي أن 21،9 %من البرلمانيين نساء و10 نساء على رأس الدول و15 على رأس الحكومات. وتبقى رواندا أكثر دولة فيها تواجد نسائي في البرلمان بنسبة 63،3% في الوقت الذي لا تزال فيه الدول العربية في أسفل المرتبات رغم اعتماد الكوتا أو المناصفة في بعض الدول مثل تونس والمغرب والجزائر والأردن حيث لا تمثل النساء إلا 16% من البرلمانيين.
على مستوى الأحزاب السياسية، تفيد الدراسات الصادرة عن المنظمات الدولية، إن النساء لا تحتل إلا 10% من المناصب القيادية داخل الأحزاب السياسية على الرغم من أنها منخرطة فيها بنسبة تتراوح بين 40 و50%. وتكاد النساء أن تكون غائبة من المراكز القيادية العليا في الأحزاب السياسية في الدول العربية، وغالباً لا يفوق عددهن الواحدة فقط وتكون مكلفة بشؤون النساء والعائلة. و هذا ما نجده في أغلب الأحزاب السياسية في الدول العربية سواء أكانت في المعارضة أو في السلطة. ومهما كانت السياسة المتبعة تجاه القضايا النسائية وحتى لو كانت ترى النهوض بأوضاع النساء من أهم القضايا التي يجب تبنيها و الدفاع عنه.
إن الاهتمام بموضوع المشاركة السياسية للنساء ليس جديدا ، وهو أمر يجب أن تلتزم به السلطة خاصة بعد مصادفتها على عديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية ، أبرزها اتفاقية سيداو. إضافة للقرارات الدولية الصادرة عن المؤتمرات الدولية
وينبغي هنا التأكيد على أن تفعيل دور النساء ومشاركتهن السياسية هي عملية كفاحية تراكمية تشترط إصلاح النظام السياسي برمته، كما تشترط وجود حركة نسوية ضاغطة، ويضاف إلى ذلك أنها تتطلب إثارة الوعي والقيام بعمليات التعبئة السياسية المستمرة بشكل عام وفي أوساط النساء بشكل خاص. أن الانقسام الفصائلي والبنيوي الذي م النظام السياسي الفلسطيني نتيجة لصراع• حركتي فتح وحما قد أضعف دور المشاركة السياسية للمرأة إلى حد كبير، وفوت عليها حقها في اختيار من يمثلها وفقاً ألحكام القانون.
قبل الحديث عن المعقيات أمام مشاركة المرأة السياسية لابد من الاشارة إلى جملة من التحديات المتعددة التي تواججها وأبرزها:
أولاً: أن المجتمع لا يتقبل بسهولة انخراط النساء في العمل السياسي لعدة أسباب وخصوصاً ما يتصل منها بالعوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية
ثانياً: ضعف آليات الديمقراطية وضعف الثقافة السياسية والثقافة المدنية وعدم تكريس مبادئ الديمقراطية التعددية، يؤدي بصورة مجتمعة إلى عدم اهتمام النساء بالشأن السياسي والمدني وعزوفهن عن العمل السياسي. إضافة إلى كون التوزيع التقليدي للأدوار بين النساء والرجال لا يزال ساريا في مجتمعاتنا، والنظام الأبوي لا يزال قائما. كل هذه الأسباب، أدت وما تزال، إلى هيمنة الرجال ودونية أوضاع النساء وتغلغل كل مظاهر التمييز المسلط على النساء. وأبعدت النساء عن مواقع القرار وعن المناصب القيادية وأقصتهن من الفضاء العام والسياسي.
ثالثاً: أن التمسك بالمعتقدات الدينية والتقاليد التي طبعت القوانين التمييزية والممارسات اليومية أعطت نوعاً من القدسية إلى التمييز ضد النساء، جعلت من الصعب تنقيح هذه التشريعات المختلفة من دون التخلي عن الموروث الثقافي والمعتقدات التي تعرقل تمتع النساء بحقوقهن كافة خصوصاً مع تنامي التيارات الدينية المتشددة.
رابعاً: تحدي التمكين والانخراط في عمل مجد اقتصادياً. فأيا كانت الحجج فلا يمكن للمرأة أن تتمتع بالحقوق الإنسانية كاملة إذا بقيت مرتبطة ارتباطا وثيقا بسواها لإعالتها.
خامساً: تحدي الانخراط المؤسساتي في الآليات السياسية. فعبثا نحاول فرض الكوتا بمختلف صيغها، على الأنظمة السياسية وفي قوانين الانتخاب.
سادساً: عدم وجود ثقافة مدنية ديمقراطية وأعني بها ثقافة القانون، ثقافة الحريات، ثقافة الممارسة السياسية الديمقراطية من خلال الأنشطة السياسية المختلفة وأهمها الانتخابات.
سابعاً: عدم التزام الأحزاب السياسية بتمكين النساء وبناء وعيهن السياسي بعيداً عن الأدوار النمطية. والالتزام بإدماج قضايا المرأة في الأجندات السياسية كجزء من رؤية كل فريق عندها يتحول المشهد السياسي الى مشهد تنافس سياسي على نصرة المرأة ونصرة قضاياها.
ثامناً: عدم قدرة النساء على التغلب على عوائق الخوف وضعف الثقة وقلة الانخراط في الحياة العامة.
تاسعاً: عدم وجود نظام سياسي قوي قوية يلتزم بإلغاء كل أشكال التمييز والعنف ضد النساء من خلال قوانين وسياسات واستراتيجيات حقيقية
عاشراً: عدم معرفة مختلف الفاعلين/ات لأدوارهم/هن الحقيقية، ما سينعكس على أدائهم تجاه قضايا النساء، على سبيل المثال المجلس التشريعي ودوره في التشريع والرقابة على أداء الحكومة وفي رسم الإستراتيجيات ووضع خطط العمل، الأحزاب ودورها في بناء الوعي السياسي، البلديات في التنمية، الجامعة والمدرسة في إعداد مواطنون لا رعايا
وبناء عليه يمكن تصنيف هذه المعوقات كالتالي:
أولاً: معوّقات سياسية قانونية: وتتلخص هذه المعوقات في:
* الافتقاد إلى رؤى إستراتيجية لتنمية المرأة سياسياً، ونقص الأنشطة التي تؤكد على ذلك، فالأنشطة موسمية، وظروف المرأة تلتحق بالرجل وبالأطفال غالباً.
* ضعف الإرادة السياسية في بلورة قوانين تقوم على المساواة في الحقوق وعدم اقتصارها على المساواة الظاهرة وغير الحقيقة أمام القانون.
* غياب التقاليد الديمقراطية وحرية العمل السياسي والتقييد والمنع وغلبة النظام القبلي أو العشائري أو نصرة الطائفة بدلاً من المواطنة.
* الإطار القانوني، كوجود نصوص تمييزية (قانون الانتخاب/ الجنسية /التقاعد والضمان الاجتماعي/ العقوبات/الأحوال الشخصية وغيرها)، فهناك الكثير من العنف القانوني الذي يمارس على المرأة بصفة مباشرة أو بصفة غير مباشرة عن طريق بعض النصوص القانونية .
ثانياً: معوقات اجتماعية وثقافية وتتلخص هذه المعوقات في:
* الإرث التاريخي الطويل من التمييز البنيوي الناشئ عن تقسيم العمل وتحديد الأدوار والانتماءات القبلية والعائلية.
* الموروث الثقافي والاجتماعي وسيطرة هذا الموروث على منظومة القيم والثقافة السائدة وهيمنة النظام الأبوي القائم على عادات وتقاليد تمييزية.
* تفشي العنف ضد النساء بشكل واضح أثر سلباً على شخصية النساء ودورهن في الحياة والسياسة.
* غياب الدعم الأسري لتشجيع النساء على المشاركة في المنظمات والجمعيات وفي الحياة العامة، جعل من فرص مشاركة المرأة السياسية والعامة محدودة.
* قلة المبادرات النسائية في ما يخص مشاركة المرأة في الحياة السياسية والتنموية والثقافية، وتخوفها من ممارسة مهام قد تؤدي إلى احتكاكها بالسلطة بسبب نشاطها ومطالبتها بممارسة حقوقها خاصة المساواة وعدم التمييز. – ضعف الثقافة السياسية والمدنية.
ثالثاً: معوقات اقتصادية: وتتلخص في:
* انتشار الفقر وبالتالي وانعكاس هذا الفقر على المرأة والأطفال في المرتبة الأولى.
* عدم استطاعة المرأة توفير المال الكافي لحملاتها الانتخابية، وبذلك تفقد فرصة النجاح المتوفرة للرجل.
* التفرقة في الحقوق المالية المتعلقة بالعمل وأموال الأسرة بين الرجل والمرأة ، يجعل وضع المرأة الاقتصادي أقل من الرجل.
رابعاً: المعوقات الذاتية: وهي الأهم وتتلخص هذه المعوقات في:
* أهم هذه المعوقات هو عدم وعي النساء بأهمية دورهنّ في الحياة وبالذات الدور السياسي نتيجة التربية العائلية والمدرسية التي تتلقاها الفتاة منذ الصغر.
* المسؤوليات العائلية التي تلقى على المرأة وحدها دون الرجل. وعدم محاولة المرأة لتطوير قدراتها وذاتها بانشغالها بأمور الأسرة على حساب نفسها.
* التفكير في المناصب القريبة من المسؤوليات الاجتماعية/ وزيرة شؤون اجتماعية/ وزيرة المرأة.
بعض التوصيات وتتلخص في:
– تمكين المرأة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وذلك عن طريق انخراطها في المجتمع ومشاركتها في اتخاذ القرار.
– تفعيل اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، والاتفاقات الدولية الأخرى التي صادقت عليها فلسطين
– التأكيد على حقوق المرأة الشرعية، وتطوير دور القضاء المختص بشؤون الأسرة، بشكل يضمن حقوق المرأة والأسرة.
– إنصاف المرأة بفرض تكافؤ الفرص في التعليم والعمل، أسوة بالذكور من دون تمييز.
– دعم المرأة في العملية الانتخابية ووضعها على القائمة الانتخابية.
– عدم التمييز القانوني والاجتماعي والحد من تأثير التقاليد النافية للحقوق ومبادئ القانون.
– تعزيز مفهوم المواطنة لأن له صلة قانونية مباشرة بين الفرد والدولة ويتساوى فيه الرجل والمرأة.
– تعديل قانون الانتخاب والتوزيع العادل للدوائر الانتخابية.
– مساعدة النساء على تفحص قدراتهن والإحساس بأهمية أدوارهن في الحياة، ووضع سياسة لتدريب وتثقيف المرأة.
– تأمين الحقوق في الهياكل والأطر والآليات.
– وضع خطط عمل مشتركة بين الحكومة والمجتمع المدني لتفعيل المشاركة السياسية للنساء.
-تخصيص كوتا من مناصب الحكومة العليا للنساء.
– تعديل التشريعات والقوانين التي تدعو إلى التمييز .
– العمل على تغيير الصورة النمطية للمرأة في الإعلام .
ومما تقدم نرى أن الأطراف كافة يجب أن تعمل من أجل تحقيق المساواة والعدالة للمرأة، وهذا لن يتأتى إلا بمشاركة المرأة في الشأن السياسي والحياة العامة والمدنية، الأمر الذي يقتضي تضافر الجهود بدءاً بدور ووجود المرأة نفسها بفاعلية وليس من خلال المطالبة فحسب، ومن ثم دور المجتمع المدني في خلق الوعي العام والابتعاد عن الثقافة الذكورية والتقليدية، ويأتي الدور الرئيسي في إتاحة أقصى الإمكانيات والفرص لمشاركة المرأة في صنع القرار، وليس التمثيل النسبي وهذا ما يجب أن تلتزم به الدولة والأحزاب السياسية، ثم دور الممولين في ضرورة تنوع أجنداتهم وتوفير الدعم المادي والمعنوي الذي يساعد المرأة على تغيير النظرة الدونية لها في بعض المجتمعات. وأهم أمر يجب أن نلتفت إليه هو الاهتمام بالعمل على زيادة ثقة المرأة بنفسها وقدراتها في المقام الأول لتعمل هي على تحقيق أهدافها والتغلب على كل هذه المعوقات التي تواجهها.