معاً ضد خطاب الكراهية والتمييز: الكرامة للجميع
بقلم الكاتبة / فيحاء عبد الهادي
«والله، ما قبلت شيئاً لن يناله الآخرون، سواسية».
كيف يمكن أن نناضل معاً ضد خطاب الكراهية والتمييز، الذي يتصاعد عبر العالم يوماً بعد يوم، ونضمن تحقيق الكرامة للبشر جميعاً؟
ما هو الدور الفاعل الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في آسيا، لمحاربة هذا الخطاب؟ ما دور الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني؟ ما هو النهج؟ والخطط الاستراتيجية؟ والآليات؟ وما هي التحديات؟
كيف يمكن أن نسهم جميعاً، في مكافحة خطاب الكراهية والتمييز، بأشكاله كافة؟
كيف نثمِّن ونحتفل بالتعددية الثقافية والاجتماعية، بدلاً من الخوف منها؟
كان هذا هو موضوع المؤتمر الذي عقد في سيؤول، يوم 5 أيلول، 2019، والذي صاحب انعقاد الاجتماع السنوي، الرابع والعشرين، للجمعية العامة لمنتدى آسيا والمحيط الهادئ، للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، يومي 3-4 أيلول، 2019.
*****
ما الذي تسبب في تصاعد خطاب الكراهية والتمييز، على الصعيد العالمي؟ علماً بأن محاربة هذا الخطاب يقع في صلب الكفاح العالمي، للتمسك بحقوق الإنسان، وتحقيق الحريات الأساسية للبشر جميعاً.
هل السبب يكمن في ازدياد الخراب على المستويات كافة؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟
هل هو انعدام المساواة في العديد من دول العالم؟
هل هو انعدام تحقيق العدالة، والانفلات من العقاب، الذي يولِّد الإحساس بالظلم، والرغبة بالأخذ بالثأر، دون انتظار حكم المؤسسات القانونية التي يفترض أن تكفل تحقيق العدالة؟
أم هذه العناصر مجتمعة؟
*****
طُرحت ضمن أوراق المؤتمر طرق متعددة لمحاربة خطاب الكراهية والتمييز، ووضع الخطط الاستراتيجية، تقوم بها لجنة خاصة تشكَّل في كل دولة من دول العالم لهذا الغرض. هذه اللجنة التي يفترض أن تجري بحثاً مهنياً، ثم حواراً حول مضمون ومصطلحات خطاب الكراهية والتمييز، والمشاكل الخطيرة التي يسببها، والفئات التي يستهدفها؛ لخلق رأي عام يدرك أبعاد انتشار هذا الخطاب، وتشجع الحكومات لوضع قوانين لتجريمه.
كما أن هناك ضرورة لإطلاق حملة، بالتعاون ما بين المؤسسات الوطنية، ومؤسسات حقوق الإنسان، مع الإعلام، بالاستعانة بالتقنيات الحديثة، للتحذير من خطورة هذا الخطاب، والتدابير الواجبة للقضاء عليه.
*****
بالوتيرة التي تصاعد فيها خطاب الكراهية والتمييز، مؤدياً إلى جرائم قتل؛ تزايد اهتمام منظمات الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، عبر العالم، بالبحث عن وسائل وسبل إضافية لمحاربته.
وما الإعلان عن اعتماد اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري ضد المرأة عام 1979، بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتاريخ بدء النفاذ عام 1981؛ بعد الإعلان عن الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، عام 1965، وتاريخ نفاذها عام 1969، إلاّ دليل على التفات المجتمع الدولي إلى ضرورة المصادقة على اتفاقية تخص التمييز ضد المرأة، وأهمية تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ هذه الاتفاقية (CEDAW)، وأن من الأهمية بمكان «استئصال شأفة الفصل العنصري، وجميع أشكال العنصرية، والتمييز العنصري، والاستعمار، والاستعمار الجديد، والعدوان، والاحتلال الأجنبي، والسيطرة الأجنبية، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، أمر أساسي بالنسبة إلى تمتع الرجال والنساء بحقوقهم تمتعاً كاملاً». هذا ما يستدعي رصداً أكثر دقة لتنفيذ الدول الأطراف للاتفاقيتين، بالإضافة إلى تقييم التقارير التي تقدمها الدول التي وقعت عليهما، إلى اللجان المختصة، ثم إرسال توصيات اللجان إلى الدول الأطراف.
*****
ورغم الجهود الحثيثة التي تقوم بها لجان الأمم المتحدة، المكلفة بالمتابعة والرصد وإرسال التوصيات، حول المخالفات المتنوعة للاتفاقيات الدولية التي تحارب التمييز والكراهية، وأشكال العنصرية كافة؛ إلاّ أن تصاعد خطاب الكراهية والتمييز يستدعي تكثيف الجهود الدولية، والوطنية، لمكافحته، وأهمها التمسك بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، التي تضمن الكرامة للإنسان، دون تمييز بسبب عرق أو لون أو دين أو جنس.
والتمسك بمبدأ المساواة بين البشر جميعاً، وقبل كل ذلك تحقيق العدالة، ومحاكمة المجرمين، وضمان عدم الإفلات من العقاب.
*****
كيف نتصدّى لخطاب الكراهية والتمييز في فلسطين، في البلد الذي يرزح تحت احتلال كولونيالي عنصري استيطاني؟ نتمسك بحقنا، موحَّدين، في مقاومة الاحتلال الذي يمارس أبشع أنواع العنصرية.
ولكن، كيف نحقق الكرامة للجميع؟ كيف ننتصر للقتيلة إسراء غريب؟
كيف نستثمر تفاعل الرأي العام، والجهات الرسمية ذات العلاقة، والجهود الوطنية والشعبية، التي تناضل من أجل تحقيق العدالة لإسراء، وللنساء اللواتي قتلن على خلفية ما يسمى «شرف العائلة»، أو من هم برسم القتل؟
نضغط من أجل الإسراع في إقرار قانون حماية الأسرة من العنف، ووضعه موضع التنفيذ، ونضغط – بالتعاون ما بين الهيئات والمؤسسات الوطنية، ومنظمات المجتمع المدني، والإعلام – على المستوى الرسمي، من أجل وضع المبادئ الدستورية التي تنظم إدماج الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية سيداو، في النظام التشريعي الفلسطيني، ونشرها في الجريدة الرسمية؛ ما يعني تنفيذ أحكامها، وأحكام البروتوكول الملحق بها. بالإضافة إلى ضرورة نشر الثقافة القانونية، وثقافة حقوق الإنسان في المجتمع بشكل عام، وفي المدارس والجامعات، بشكل خاص، مع مراجعة المناهج بوعي ومسؤولية، لتثبيت مبادئ الحريات الأساسية والديمقراطية، لضمان احترام التنوع، والاختلاف، والمساواة، والتنبيه لخطورة التمييز، وأشكاله المتعددة، الذي يرتبط بخطاب الكراهية؛ الأمر الذي يؤدي إلى جرائم قتل في كثير من الأحيان.
*****
من الضروري أن نقف وقفة نقدية أمام بعض الكلمات، والمصطلحات، التي نرددها، دون تفكير، وأن نخلِّصها من معانيها الخاطئة، لنعيدها إلى أصلها، وأولها كلمة الشرف. علينا أن نكفّ عن استخدام مصطلح: «القتل على خلفية الشرف»، الذي لا أساس له بالقانون الجنائي، حين الحديث عن أية جريمة تعرّضت لها امرأة. كلمة القتل تعني القتل؛ ما يستوجب إنزال العقوبة بالقاتل، دون أن يتاح له الاستفادة من «عذر مخفِّف»، تحت مسمّى الشرف؛ إذ لا شرف ولا كرامة لقاتل.