لماذا الـيوم الوطـني للمـرأة؟
كتبت ريما كتانة نزال
في السابع عشر من تموز الماضي اتخذ مجلس الوزراء قراره رقم (06/13/م و/م أ) لعام 2019، يَعْتَبِرُ فيه يوم السادس والعشرين من شهر تشرين أول من كل عام؛ يوما وطنياً للمرأة الفلسطينية. القرار تم بناءً على أوراق ومسوِّغات مقدمة من وزيرة المرأة د. آمال حمد، توضّح فيها المبررات والأسباب التي دعتها الى تقديم الفكرة.
في مسوِّغات القرار، تحضرُ الرواية النسوية الفلسطينية بقوة وتتموضع على رأس الأسباب والخلفيات. فدون سردية الرواية الفلسطينية وخصوصيتها لا تستقيم الأمور، تصبح روايةً هجيناً سرعان ما يرفضها المنطق والواقع الفلسطيني، له حكايته ومنطقه واختزاناته التاريخية. ومهما بلغت قوة الأفكار يصبح وزنها كالريشة إنْ لم تتكئ على القماشة الفلسطينية، والخصوصية الوطنية والتاريخية، حيث تتموضع المرأة الفلسطينية في عمقها كأحد الأعمدة المكوِّنة لحجر الأساس، في الظرف المكاني والزماني.
ما هو اليوم الذي يخلو من مناسبات فلسطينية، الروزنامة الفلسطينية معجونة بالمناسبات الغاصّة بالمجازر والمتخمة بتواريخ إقامة أول مستوطنة وأول الجدران وأول شهيد وأسير ومبعد، وتعِجُّ بتدافع أشكال المقاومة والتظاهرات والاحتجاجات والمؤتمرات الاستنهاضية والمذكرات المكتوبة، جميعها توثقها الموسوعة الفلسطينية.
لقد استند القرار بخلفياته على أهم المحطات التاريخية التي أطلقت بقوة مشاركة المرأة الفلسطينية في الفضاء السياسي والوطني. سيكون لعام 1929 موقع خاص في تفاصيل مقاومة المشروع الصهيوني الكبير المحمول على أيادي الانتداب البريطاني والإيفاء بالوعد المشؤوم، وعد بلفور. عام 1929 عام ثورة البراق وتأسيس الاتحاد النسائي العربي وعقد المؤتمر النسائي الكبير في عام 1929 في شهر تشرين الأول من ذلك العام، الذي شَهِدَ على تدفق الفلسطينيين والفلسطينيات كالطوفان ضد المشروع الصهيوني على التراب الفلسطيني.
السؤال المطروح الذي لا بد من الإجابة عنه، حول الحاجة ليوم آخر مخصص للإضاءة على نضالات المرأة الفلسطينية إلى جانب يوم الثامن من آذار..في نهاية مطاف النقاش والجدل، موضوعياً لا يضيرنا إقرار يوم وطني للمرأة الفلسطينية ولا يتعارض مع وجود يوم المرأة العالمي، بل يُشَكِّل صنواً ورديفاً له وللمرأة، يوم وطني للمرأة ليس نقيضاً أو بديلاً للثامن من آذار أو انتقاصاً منه. بل ينبري بجانبه ليُكْسِبه القيمة المضافة، ويمنحه أبعاداً مختلفة ضمن معايير محلية خاصة، ولسنا أول من يصنع يوما وطنيا خاصا بالمرأة، فقد تبنت مصر والإمارات وجنوب افريقيا واستراليا وغيرها؛ مفهوم اليوم الوطني في بلادها.
على ما سبق أضيف، لا يمكن تجاهل الاحتياج لرد الاعتبار للمرأة الفلسطينية ونضالاتها التاريخية من بابها الواسع بتخصيص يوم وطني للمرأة، لذلك اعتباراته واحتياجاته الناشئة من الأبعاد التي نعرفها جميعا، ربما ألخصها على ظهر تراجع الوعي المعرفي للتاريخ والبدايات، وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي العام واستفتاءات الإعلام، التي تناولت فداحة الجهل العام بالمحطات التاريخية ورموزها وحتى شهدائها وأحداثها المتصلة بالهبات والمواجهات والإضرابات والمحطات التي قطعتها الثورة الفلسطينية منذ قبل بداية القرن الماضي..وخاصة في صفوف الشباب والشابات. ليس الجهل والخواء فقط، بغض النظر عن أسبابه، بل كذلك صعود الشعبوية في المجتمع المتقصدة الهجوم على الحركة النسائية وتتعمد عزلها عن المجتمع، بما يستدعي اجتراح السبل والآليات لردم الفجوات في الوعي المعرفي. اليوم الوطني إذا ما أُحسن توظيفه يمكنه لعب الدور المناط به.
هذه الاعتبارات بنظري لا بد من أخذها من قبل وزارة المرأة بالاعتبار لدى وضع رؤية اليوم الوطني للمرأة لتسخيره في خدمة الفكرة، حتى لا يتحول إلى يوم فائض عن احتياجاته الموضوعية، وكيْ لا يتحول إلى يوم «فولكلوري» سطحي منزوع الدسم ومنفصم عن الاعتبارات التي أنشأته، شبيه بأيام ومناسبات تزدحم بها الساحة.
على ما سبق نبني، أن لا تعارض بين اليوم العالمي للمرأة واليوم الوطني للمرأة الفلسطينية. صحيح أن استهلال اليوم العالمي للمرأة الفلسطينية يتم من خلال الوقوف على الحواجز وتخوم المستوطنات والأراضي المصادرة والمسروقة، ويلبي ما هو مطلوب منه، وطنياً واجتماعياً، ولا غنى عن الثامن من آذار وروابطه بين النضالات النسوية الفلسطينية مع النضالات النسوية العالمية المشتركة في جذورها وأسبابها التمييزية الموغلة في اختراقاتها وتجزئتها للمنظومة الحقوقية التي تأسس على ضفافها اليوم العالمي للمرأة الذي ناضلت النساء كونياً لتكريسه، وصولاً إلى تبنيه من قبل هيئة الأمم المتحدة عام 1977، احتراما لمقتل عاملات أميركيات حرقاً في مصنع نيويورك للنسيج في 1856، بسبب افتقاد ظروف الحماية والعمل الانساني أثناء اضرابهن ومطالبتهن بالمساواة في الأجور وساعات العمل واستغلال الأطفال في العمل.
ما هو مطلوب من وزارة المرأة وضع البرنامج الاستراتيجي لإحياء اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية انطلاقاً من الأدبيات المقدمة من قبلها، ومن الفراغ المعرفي بتاريخ الحركة النسائية الفلسطينية ونضالها الذي لم يتأخر يوماً عن تاريخ ونضال الحركة الوطنية الفلسطينية، أن يُعالج بشكل منهجي واستراتيجي لملء خواء المناهج الدراسية ومعالجة التحيز الاعلامي والثقافي، وتصحيح اختلال المعادلات وتمكين الحكاية من العبور في الأجيال، والحرص على أن لا يتحول الاحتفال بيوم المرأة الوطني إلى نشاط موسميّ، بل المطلوب تحويله إلى فكرة مُنْتجة ومُتحوّلة.
لقد اندفعت الفلسطينيات بعزيمة لا تلين إلى ميادين الكفاح. ارتقت المرأة الفلسطينية إلى السماء، وذاقت مرارة الأسر والإبعاد والتهجير. وسجّل التاريخ أسماء نساء كان لهن أثر عظيم في قهر القهر؛ ورفعن اسم فلسطين عاليًا، كشادية أبو غزالة، وفاطمة البرناوي، ودلال المغربي وفايزة مفارجة ولينا النابلسي وميمنة القسّام، ورجاء أبو عماشة وخديجة شواهنة.
فلنضُئ على هذا التاريخ.