قراءة في مؤتمر إنجازات رغم التحديات
لعلّه الإطار النسوي الوحيد الذي عقد مؤتمره والذي يعتبر إنجاز يُحاكي النظرة المستقبلية لواقع المرأة. إنّه “اتحاد لجان المرأة الفلسطينية”، ذو الباع الطويل الممتد عبر سنوات النضال الفلسطيني. نسويّ أكثر انسجامًا مع الحياة الإنسانية القائمة على احترام الذات الإنسانية. ليس هذا وحسب، بل نسف ونفي لما تبقى من موروثٍ تاريخي ذكوري، بالنظرة إلى المرأة. نثمن هذا الجُهد، والدعوة قائمة لاستمراره، والنضال الدؤوب لتحقيق ما جاء فيه من توصيات.
تتركز البرامج والأنشطة النسوية التي تنظمها الأطر والمراكز النسوية خلال السنوات الأخيرة على حقوق المرأة وسيادة الجندرة في الحياة ومحاربة التعنيف والدفاع عن حقوق المرأة الاجتماعية والسياسية. وفي هذا السياق نظّم اتحاد لجان المرأة الفلسطينية مؤتمرًا تحت عنوان “إنجاز رغم التحديات”، بحضورٍ نسوي نخبوي وبعضًا من ممثلي القوى، ووُزعت خلال المؤتمر دراسة تتناول واقع المشاركة السياسية للمرأة بعد الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006، فتبادر إلى الذهن ومن بين سطور الدراسة الاستكشافية، ووحي عنوانها، سؤال “هل توقفت الحياة السياسية عند انتخابات 2006؟”، وهل الانتخابات والمشاركة فيها وتوقفها يعني توقف الحياة السياسية، ألا يعني ذلك أن أربعة عشر عامًا من الحياة السياسية للمرأة قد غُيّبت خلف هذا العنوان.
على كل حال، لم يكن عنوان الدراسة هو ما دفعني إلى الكتابة بقدر ما ورد في التوصيات التي صدرت عنها.
فقد جاء في توصية رقم 10 التي جاءت تحت عنوان “العمل على عودة التثقيف الحزبي على أسسٍ جندري”، قبل أيامٍ كُنا في حضرة الانتفاضة الأولى حيث تناولت العديد من الفضائيات بثًا مسجلًا للكثير من أحداث ومواجهات وفعاليات الانتفاضة الأولى، والتي ظهّرت دور المرأة وحضورها في أكثر اللحظات والأوقات عنفًا وقسوة.
تقول سيمون دي بوفوار “يكره الرجال المرأة الجريئة المثقفة أو المفكرة”، وهذا يُعيدنا إلى الحاجة لثقافة ومراسٍ ثورييْن، لكن الثقافة الجندرية وحدها لا تكفي، ولماذا لا تكفي، فلو جاز لنا أن نستذكر كم هي الورش والمؤتمرات والأبحاث والدراسات التي أُعِدت ونُفذت عن العدالة والمساواة بحق المرأة والجندر والثقافة الجندرية، لوجدناها أكثر من أي عناوينٍ أخرى خاصة بالنساء، وتحظى بأولوية لدى الممولين الأجانب، بتقديرنا إن المشكلة ليست في غياب الوعي لأهمية الجندر، بل الإقصاء الممنهج للكثير من المفاهيم والأفكار والمصطلحات، تماشيًا مع الطبيعة الطبقية لقيادات العمل السياسي، وبالتحديد القيادات اليسارية منها، فنحن نعيشُ في عالم من الأصولية اليسارية التي تُنكر على ذاتها مضامين الشخصية والثقافة الديمقراطية تجاه المرأة.
خلال إحدى الفعاليات المتواضعة لحزبٍ يساري محترم، لوحظ رمزية الحضور النسوي، والذي أخذ مكانه في ذيل المسيرة، دون أيّ محاولة متواضعة للتقدم إلى الصفوف الأولى، كما لم تأتي أية محاولة منهنّ للتقدم إلى الأمام لتقدم صفوف المسيرة، تفسيرُ ذلك وأين يكمُن الخلل بتقديرنا، إن الخلل الرئيس يكمن في المرأة نفسها والتي أبت أن تنال شرف المحاولة ، وهذا بدوره يؤكد ما قالته الكاتبة الصحفية دنيا الأمل إسماعيل، حين قالت لا يوجد دعم حقيقي من المرأة للمرأة.
إحدى الكادرات النسوية وعلى هامش جلسات المؤتمر، علّقت بقوة وجرأة دون تردد حين لفت انتباهها للتوصية قائلةً إن القيادات السياسية تتحرك مجتمعيًا وكأنه لا وجود للمرأة في أحزابها، وهذا أفضل من غيض للحالة الراهنة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه مثلما أن القيادات اليسارية أصبحت أسيرةً لخلفياتها الطبقية وما تعكسه من سلوكٍ وممارسة تتناغم والخلفية الطبقية. فالمرأة تُعاني من ذات العدو فهناك مصطلح النساء المهمشات الذي يمثّل قطاع المرأة والطبقات المسحوقة، وعليه أصبحنا أمام كفاحٍ ونشاطٍ طبقي، قطاعات طبقية نسوية للتحشيد للعمل السياسي والمجتمعي، وقطاعات أخرى ذات طبيعة وميول برجوازي، يتناسب ونضال الصالونات المغلقة.
لقد ابتعدنا كثيرًا عن الأصول الديمقراطية أو جذرها اليساري، لصالح أصولية يسارية تتناغم الشعارات والمفاهيم وتتعارض مع تطبيقاتها.
اليسار هو المُطالب بأن يكون الدرع الواقي للحفاظ على منجزات المرأة وحقوقها وصون تاريخها الكفاحي المميز، والذي تميّزت المرأة الفلسطينية من خلاله على كلّ نساء الكون، خلال سنوات الكفاح الفلسطيني ضد الصهيونية وأدواتها والتخلف والتبعية.
لا يوجد بالموروث الثقافي اليساري ما يمنع أو يحُد من الشراكة والمساواة التامة بين النوع الاجتماعي، فلا المرأة ناقصة عقل ودين، ولا الرجال قوامون على النساء، أو غيرها…. إلخ.
بتقديرنا، إن الحالة الفلسطينية عمومًا وما يخص الشأن النسوي على وجه التحديد، بحاجة إلى إعادة الاعتبار للهوية والمشروع الوطني الفلسطيني، ليبعث من جديد الكفاح الوطني بشقيه السياسي والمجتمعي، والذي هو شاهدٌ عبر العشرات من سنوات النضال، على الدور التكاملي بين الرجل والمرأة، والذي دومًا كانت الثقافة والأدب الفلسطيني المقاوم، حاملًا ورافعة لشراكة حقيقية قائمة على الندية والمساواة، قبل ظهور الجندرة في سنوات الثمانينات، فلم تكُن أحداث أو وقائع نسوية منفردة تلك التضحيات والبطولات التي سُجلت لنساء فلسطين في التاريخ الفلسطيني المعاصر.
حسين الجمل / كاتب فلسطيني