ورقة موقف حول مشروع قرار بقانون حماية الأسرة من العنف في فلسطين
بمبادرة من الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية وبصفته رئيس الائتلاف الأهلي لقانون الأحوال الشخصية تأتي هذه الورقة في سياق رؤية المجتمع المدني الفلسطيني بكافة مكوناته النسوية والحقوقية وفي مقدمتها شبكبة منتدى مناهضة العنف ضد المرأة وتحالف أمل لمناهضة العنف ضد المرأة ومجلس منظمات حقوق الانسان الفلسطينية وشبكة المنظمات الأهلية وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في ظل النقاش الواسع حول مسودة قانون حماية الأسرة من العنف ومتابعة ظاهرة العنف الأسري الآخذة بالتصاعد؛ وبالرغم من السياسات والتدابير التي اتخذتها الحكومات الفلسطينية المتعاقبة للحد من هذه الظاهرة وضمان عدم انتشارها حتى لا تصبح جزء من ثقافة المجتمع الفلسطيني والذي بجوهره بختلف تماما عن هكذا ممارسات كون العلاقات الأسرية والمجتمعية فيه تقوم على قيم ومبادئ ايجابية كثيرة منها التسامح والتضامن واحترام الحريات والحقوق والتعددية والعدالة الاجتماعية والحوار الأسري والمجتمعي البناء لضمان تماسك الأسرة الفلسطينية والسلم المجتمعي.
وبالرغم من الدور الفاعل والايجابي للأسرة الفلسطينية كما عرفها الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني ومن خلال التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت لعام 97؛ بأنها فرد أو مجموعة أفراد تربطهم أو لا تربطهم صلة قرابة، ويقيمون عادة في مسكن واحد أو جزء منه، ويشتركون في المأكل أو في أي وجه من ترتيبات المعيشة؛ إلا أن هناك قيماً ثقافية تقليدية موروثة في المجتمع الفلسطيني ما زالت قائمة على أساس التمييز وعدم المساواة بين أفراد الأسرة مرتبطة بالعمر والجنس والاعاقة ومصدر الدخل وغيرها من المبادئ التمييزية، وتقديم مفهوم القوة والمكانة في إطار الأسرة؛ وهذا ينعكس تلقائيا على فرص أفراد الأسرة في تحصيل حقوقهم المختلفة بما في ذلك فرص المتساوية في التعليم أو العمل أو توفير الخدمات الصحية أو الاجتماعية أو حق الأفراد في ممارسة العمل العام.
وتقوم رؤيتنا بالاستناد على وثيقة اعلان الاستقلال والقانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003 والوثيقة الحقوقية للمرأة الفلسطينية التي أصدرها الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية وبالشراكة مع الأطر والمؤسسات النسوية وصادق عليها الرئيس الراحل القائد الخالد ياسر عرفات؛ على استحداث وتطوير منظومة حماية اجتماعية متكامة من التشريعات والاستراتيجيات والسياسات والتدابير التي يجب أن تضمنها الحكومة الفلسطينية للوصول الى مجتمع آمن وخالي من كافة مظاهر العنف وتقديم المعونة لمحتاجيها من الفئات الضعيفة وغير القادرة على الدفاع عن نفسها ممثلة بالأطفال والمسنين والنساء والمعاقين وغيرهم. وفي مقدمة هذه الجهود استحداث إطار تشريعي خاص بحماية الاسرة من العنف يلبي الاحتياج الوطني الناشئ عن الفجوة التشريعية في معالجة العنف داخل إطار الاسرة، وينسجم مع المعايير الدولية لحقوق الانسان.
وترتكز هذه الرؤية على مبادئ :-
- الوقاية من العنف الممارس داخل الأسرة،
- توفير الحماية القانونية والمؤسساتية لضحايا العنف الأسري،
- ضرورة وجوب العقوبات الرادعة وذلك بهدف التقليل من حالات العنف الأسري،
- توفير الحماية الإجتماعية للأسرة الفلسطينية من خلال تبني مؤسسات الدولة المختلفة برامج إرشاد وتأهيل لكل من الضحايا والجناة كونهم بعيشون تحت سقف واحد في نهاية المطاف.
إحصائيات وبيانات حول واقع العنف الاسري في المجتمع الفلسطيني تزايدها
عرف الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني العنف الاسري بأنه كل فعل أو امتناع عن فعل يقوم به فرد من أفراد الأسرة تجاه أي فرد آخر منها وينطوي على إيذاء جسدي أو جنسي أو نفسي أو على تهديد بإيذاء جسدي أو جنسي أو نفسي أو يولد تخوفا . كما ويشمل الحرمان من الحقوق الأساسية كالمأوى و المأكل و المشرب والملبس والتعليم وحرية الحركة وتقرير المصير وفقدان الأمان على نفسه[1].
وكشف مسح العنف الاسري لعام 2019 عن تعرض امرأة من بين كل ثلاث نساء (27%) لواحد من أشكال العنف على يد الزوج، بواقع (17.8% )عنف جسدي و(56.6% ) تعرضن لعنف نفسي و(8.8%) لعنف جنسي. اما غير المتزوجين، فقد أظهرت النتائج ان( 39% ) من افراد المجتمع (18-64 عاما) تعرضوا لعنف نفسي من قبل أحد افراد الاسرة، فيما بلغت نسبة من تعرضوا للعنف الجسدي ( 15.6%). كما كشف المسح عن ان الاطفال الذكور تحت عمر 11 عاما هم الاكثر عرضة للعنف من قبل الشخص المسؤول عن رعايتهم، اذ تعرض نحو( 68% ) من الذكور ضمن هذه الفئة العمرية الى العنف الجسدي خلال العام 2019، مقابل( 62%) للإناث. وان ما نسبته 8% من كبار السن (65 سنة فأكثر) تعرض لأحد أنواع الإساءة من قبل أحد أفراد الأسرة سواء (المقيمين أو غير المقيمين في منزل الأفراد كبار السن)، وتعرض ما نسبته( 22%) منهم للإهمال الصحي، وهو أكثر أنواع الإساءة التي تعرض لها كبار السن (24% إناث، و19% ذكور) خلال الـ 12 شهرًا التي سبقت المقابلة للعام 2019[2].
وتحت وطأة انتشار جائحة كوفيد-19 والتي أثرت وما زالت على جميع مناحي الحياة بما في ذلك زيادة نسب البطالة والفقر، اتخذت الحكومة الفلسطينية سلسلة من الاجراءات للحد من انتشار الوباء وحماية المواطنين استندت على الحجر المنزلي وإغلاق المرافق العامة؛ ولكن لم تتجه الحكومة الى توسيع آفاق التدخل بحيث تشمل القضايا الأخرى المرتبطة بالواقع المجتمعي، ومن أهمها ازدياد حالات العنف عموما وفي إطار الأسرة على وجه الخصوص؛ ما أثر سلبا على حياة المواطنين وبحيث كانت النساء الأكثر تضررا من هذه التدابير غير المراعية للنوع الاجتماعي وفي مقدمة ذلك مبادئ المساواة وعدم التمييز في المسؤوليات أو تلقي الخدمات وحفظ الحقوق.
وأشار التقرير الاحصائي لحالات العنف المبني على النوع الاجتماعي للفترة ( 1 كانون الثاني – 30نيسان من العام 2020 ) الصادر عن وزارة التنمية الاجتماعية الى ارتفاع نسبة العنف داخل الاسرة حيث كشف التقرير عن تعرض ما نسبته 41% من النساء للعنف النفسي، و32% تعرضن للعنف الجسدي، في حين عانت أخريات أشكالاً أخرى من العنف (كحجز الحرية والتحرش الجنسي،والعنف الاقتصادي، والاغتصاب، والخطورة العالية على الحياة، والعنف الالكتروني، والإجبار على الزواج.
نبذة تاريخية حول العمل على مشروع قانون حماية الأسرة من العنف
على مدار الأعوام الممتدة منذ عام 1994 وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية سلطت الحركة النسوبة ومن خلال تطويرها للوثيقة الحقوقية للمرأة الفلسطينية وبمكوناتها الأساسية؛ الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية والأطر والمؤسسات النسوية المختصة والقاعدية الضوء على تنامي ظاهرة العنف الأسري واشتداد خطورتها من حيث الازدياد الكمي أو نشوء جرائم جديدة مرتبطة بالتطور الحاصل في المجتمع الفلسطيني والمرتبط بشكل أساسي بالجرائم التكنولوجية أو تلك الجرائم غير المعرفة بالقوانين النافذة أو بسبب تهالك المنظومة التشريعية النافذة من حيث التقادم أو تعدد المرجعيات أو خلوها من العقوبات الرادعة بحق الجناة في إطار الأسرة، وتوج هذا الجهد بتقديم مسودة لمشروع قانون حماية الأسرة من العنف عام 2004.
ومن الأسباب التي تدفع للتمسك بضرورة إصدار قانون حماية الأسرة من العنف، أن الإصلاح القانوني يؤدي بالضرورة الى اصلاح في الحد من الفجوات التمييزية الموجودة في المجتمع. وهناك ضرورة لوضع اطار تشريعي يساهم في الحد من العنف الاسري، وتوفير الحماية للضحايا، ومأسسة عملية التشبيك والتحويل داخل المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني المتخصصة بالتعامل مع قضايا العنف داخل الأسرة.
كما أن هناك ضرورة لتفعيل عملية الاصلاح القانوني لاجتثاث العنف بكل اشكاله والحصول على مجتمع سليم ومعافى باتجاه عملية استراتيجية نحو اصلاح المناهج وتعزيز الثقافة المجتمعية والإعلام وحماية التعددية والتسامح وحرية الرأي والتعبير..بمعنى حماية هوية الدولة الديمقراطية التي نادت بها وثيقة الاستقلال والقانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام (2003)، وأيضا هناك حاجة لتوضيح علاقة قانون حماية الأسرة من العنف وارتباطه مع القوانين الاخرى والتعديلات التي تجري عليها وعلى وجه الخصوص قوانين الاحوال الشخصية والعقوبات والعمل والطفل والأحداث وذوي الإعاقة، وأن هذا القانون جاء لمعالجة بعض أوجه القصور القائمة على التمييز وعدم المساواة فيها، وفي ظل صعوبة أو شبه استحالة تعديل هذه القوانين بالارتباط مع الواقع التشريعي القائم حاليا وخصوصا في ظل غياب المجلس التشريعي.
بناء على ما تفدم تكاثفت جهود مؤسسات المجتمع المدني بكافة مكوناته وفي المقدمة منها الحركة النسوية والمؤسسات الحقوقية وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية والجهود الحكومية ممثلة بكل من وزارة شؤون المرأة ووزارة التنمية الاجتماعية لمعالجة ظاهرة تنامي العنف الأسري ومن أبرزها:
- عقد مؤتمر وطني في العام 2008 تحت عنوان “نحو تبني قانون حماية الأسرة من العنف” وجرى من خلاله الإعلان عن مسودة مشروع قانون حماية الأسرة من العنف وطرحه على النقاش المجتمعي.
- تبنت اللجنة الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة في العام 2012 مشروع قانون حماية الأسرة من العنف، وقامت اللجنة بتنسيب مشروع القانون إلى مجلس الوزراء بغية إدراجه على الخطة التشريعية للحكومة.
- ادرج مجلس الوزراء في العام 2013 مشروع قانون حماية الأسرة من العنف على الخطة التشريعية للحكومة، وأحال مشروع القانون للوزارات كافة لوضع الملاحظات عليها.
- أنجز مجلس الوزراء النسخة النهائية لمشروع قرار بقانون حماية الأسرة من العنف في حزيران 2016، ودعا إلى مشاورات وطنية لمناقشة المشروع مع مؤسسات العمل الأهلي وذوي الاختصاص وللأسف لم يتم إقرار هذا القرار بقانون حتى يومنا هذا.
- وفي ظل هذا التراجع الخطير في تبني سياسات وخطط لمناهضة العنف الأسري وتداعياته استمرت مؤسسات المجتمع المدني بالعمل مع الحكومة والضغط عليها بوسائل مختلفة لغاية إقرار القانون بما في ذلك عضوية الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في لجنة موائمة التشريعات وعضوية الاتحاد وشبكة منتدى مناهضة العنف ضد المرأة في واللجنة الفنية لمراجعة مسودة مشروع قرار بقانون حماية الأسرة من العنف المدرج على جدول أعمال الحكومة الفلسطينية لعام 2020 والذي تقدمت به كل من وزارة شؤون المرأة ووزارة التنمية الاجتماعية
وتستند مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في اللجان الحكومية على تعزيز مبادئ الشراكة والحوار البناء والمسؤولية الاجتماعية وذلك من خلال:
- ضرورة تكامل الجهود الوطنية لاستحداث وتطوير منظومة حماية اجتماعية متكاملة يساهم فيها الجميع حيث أن حماية الأسرة وتماسكها هو مسؤولية جماعية كل في مجال اختصاصه وصلاحياته وبالشراكة الكاملة مع مؤسسات المجتمع المدني.
- ضرورة العمل على اتباع المنهج الحقوقي في كافة نصوص القانون من حيث التجريم والعقوبة، من خلال مراجعة المشروع واعادة النظر بالمنهج المتبع، وتعريف المفاهيم والمصطلحات الواردة في متن القانون وخصوصا تعريف مبادئ التمييز والمساواة وبحد أدنى كما هو وارد في تعريف الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني وبالانسجام مع مضمون الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان والمرجعيات الدولية التي وافقت عليها دولة فلسطين.
- تحديد أوسع لجهات توفير الحماية للأسرة من العنف وخصوصا المؤسسات الرسمية لتشمل المبادئ الأربع آنفة الذكر في مقدمة هذه الورقة من الوقاية والحماية والعقوبة الرادعة والإرشاد والتأهيل لضحايا العنف الأسري.
في ظل هذا الواقع والجهود المبذولة على الصعيد الوطني من مؤسسات حكومية ومجتمع مدني للحد من ظاهرة العنف الأسري باعتباره مقدمة لانهاء ظاهرة العنف المجتمعي وتعزيز السلم الأهلي وتوفير الأمن والأمان لكافة مواطني دولة فلسطين فإننا نوصي:
– ضرورة سرعة إصدار قرار بقانونلحماية الأسرة من العنف بسقف زمني لا يتجاوز نهاية عام 2020، وهذا يتطلب بضرورة استكمال اجراءات الاقرار بما في ذلك مصادقة الحكومة على نسخة نهائية للمسودة المطروحة على جدول أعمالها ومصادقة السيد الرئيس على مشروع القرار.
– إستكمال
وبناء وتطوير منظومة الحماية الإجتماعية في فلسطين بمكوناتها التشريعية
والمؤسساتية والتدابير بما في ذلك الاستراتيجيات والسياسات والبرامج.
[1] . الجهاز المرزي للإحصاء الفلسطيني.2019. النتائج الأولية لمسح العنف في المجتمع الفلسطيني. رام الله – فلسطين
[2] – الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. 2019.النتائج الأولية لمسح العنف في المجتمع الفلسطيني.رام الله – فلسطين .