نحن ويوم المرأة العالمي العام 2023
ما زالت الخصوصية الفلسطينية ظاهرة وبقوة وبنوع من الألم والحزن والأمل في ظل احتفالات دولية كثيرة بمناسبات مختلفة، تمر وتعود والواقع الفلسطيني لم يتغير، بل ويزداد البطش والحرق والقتل والاستيلاء على المزيد من الأراضي ومصادر الإنتاج. ومع بدء التحضيرات للاحتفال بـ “يوم المرأة العالمي” لهذا العام، تحتل صور المرأة الفلسطينية من بلدة حوارة الصدارة، من أمام المنازل المحروقة والسيارات المدمرة والتهديدات بالإبادة الجماعية، وتواصل المرأة الفلسطينية الصمود والتشبث بالأرض والتعليم والإنتاج في الأغوار وفي الخان الأحمر وفي مسافر يطا ومن شمال فلسطين الى جنوبها، وتواصل كذلك تقديم المزيد من الشهداء والجرحى والأسرى، في ظل غياب تام لأي آفاق من الممكن ان تغير الواقع الحالي.
وفي ظل هذه الخصوصية الفلسطينية للمرأة، تتواصل التحضيرات في دول العالم من الشمال الى الجنوب للاحتفالات في الثامن من آذار بـ “يوم المرأة العالمي”، في ظل الكثير من الشعارات ومن رصد الميزانيات والتجمعات والكلمات أو من غير ذلك من مظاهر الاحتفال، وسوف يتم إحياء هذه المناسبة في هذا العام ومن خلال منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تحت عنوان “الابتكار والتكنولوجيا” من أجل تحقيق المساواة من منظور النوع الاجتماعي.
وكان الهدف من اختيار هذا الموضوع هو التعرف على المساهمة التي تقدمها النساء والفتيات في التكنولوجيا والتعليم عبر الإنترنت والاحتفاء بها في طريق تحقيق المساواة والمساهمة في التنمية الاقتصادية، وكذلك تبيان تأثير الفجوة الرقمية بين الرجل والمرأة على عدم المساواة، حيث تقدِّر الأمم المتحدة أن افتقار النساء إلى الوصول إلى عالم الإنترنت سيؤدي إلى خسارة 1.5 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي، بحلول عام 2025 إذا لم يتم اتخاذ إجراء في هذا الصدد.
وفي إطار التغيير الذي تنشده المرأة من خلال التوجه الى العالم الافتراضي والرقمي، فإنها ما زالت تطالب بتوفر الدعم والإمكانيات ووسائل الوصول الى المصادر والمعلومات، وتوفر الفرص في التعليم والعمل والتدريب، والحصول على الأجر المنصف وعدم العمل بدون أجر، ومراعاة الخصوصيات وتوفير شروط السلامة والصحة المهنية، اسوةً بما يتم توفيره للرجل في اطار خصوصياته وظروفه، والاهم التغيير على مستوى إصدار أو سَن أو اعتماد القوانين والتشريعات وتبني السياسات والخطط الاستراتيجية وفي مجالات متعددة، ومن منظور النوع الاجتماعي.
ورغم ان الاحتفال بـ “يوم المرأة العالمي”، في عام 2022، كان تحت شعار “التداعيات البيئية والمناخية في العالم ودور المرأة في تحقيق مستقبل مستدام” الا ان حدة هذه التداعيات من منظور النوع الاجتماعي قد تفاقمت، سواء من حيث التأثير أو من أهمية وسائل الوقاية للحد من آثارها، وفي بلادنا وعلى المرأة الفلسطينية، تتعمق ويزداد تأثيرات التداعيات البيئية والمناخية وبفعل ممارسات الاحتلال، ويظهر هذا بوضوح فيما يتعلق بالمياه أو الأرض وانتاجها الزراعي والامن الغذائي وسلامة الطعام وتراكم النفايات الصلبة والسائلة والخطيرة منها وانتشار الأوبئة والأمراض المستجدة، والآثار الصحية قصيرة وبعيدة المدى المترتبة على ذلك.
وفي ظل الاحتفال بيوم المرأة العالمي، ما زال ما يُعرف بـ “العدالة المناخية او البيئية”، في العالم غائباً، أي تأثر الفئات الأكثر هشاشة أو الأدقع فقراً أو الأكثر ضعفاً، بما تحدثه الفئات الأكثر قوة أو الأغنى أو المحصنة أكثر، وبدون شك إن تأثيرات التداعيات البيئية والمناخية يكون أكثر على هذه الفئات من الدول والمجتمعات والمناطق، وفي داخل المجتمع الواحد، سوف تتأثر الفئات الأكثر هشاشة أو الأقل قدرة الى الوصول الى المصادر والفرص وتحقيق الإمكانيات وملاءمة الظروف حسب المتغيرات، وهذه الفئات سوف تعاني وتخسر اكثر، وبمعنى آخر سوف يكون التأثير من منطلق النوع الاجتماعي، أكثر حدة على النساء، سواء بشكل فردي أو جماعي، ومن ضمنها المرأة الفلسطينية، وبالأخص في قطاع غزة، حيث تم تدمير النظام البيئي، من خلال إلقاء آلاف من أطنان المواد الكيميائية خلال الحروب المتعاقبة، تسرب ما تبقى منها الى التربة المحيطة ومن ثم الى المياه الجوفية، ومعروف أن هناك الكثير من المواد الكيميائية اذا وصلت الى المرأة الحامل فإنها وبسهولة تنتقل الى الجنين، وما لذلك من عواقب وخيمة على الجهاز العصبي المركزي. وكذلك الاستنزاف المتواصل لمصادر المياه الجوفية من قبل المستوطنات في منطقة الاغوار الفلسطينية، ما أدى الى زيادة تركيز ملوحة المياه، وبالتالي انتشار ظاهرة التصحر وعدم القدرة على زراعة محاصيل اعتاد المواطنون زراعتها، ما أدى الى فقدان مصادر الدخل وازدياد نسبة الفقر.
وفي ظل الاحتفال بـ “يوم المرأة العالمي”، ورغم القفزة التعليمية الكبيرة التي حققتها المرأة الفلسطينية، الا انه حين النظر الى سوق العمل، فإن نسبة كبيرة من النساء الفلسطينيات ما زلن يعملن في قطاعات تتطلب عملاً يدوياً وشاقاً، مثل قطاعات الزراعة والخياطة وصناعة الملابس والأحذية والنسيج، وصناعة الأغذية والأدوية، وفي النظافة وفي رياض الأطفال وغير ذلك، وان عدم توفر ظروف السلامة المهنية، يمكن أن يسبب أمراضاً متنوعة للمرأة العاملة، سواء أكانت جسدية او نفسية، حيث يمكن ان تظهر أعراض الأمراض بعد فترة قصيرة او طويلة.
وحين يتعلق الأمر بالصحة والسلامة المهنية، فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المرأة العاملة التي قد تحمل وتلد وترضع، وبالتالي فإن بيئة العمل ومدى تعرضها إلى ظروف عمل غير صحية خلال هذه المراحل المختلفة، قد يؤدي إلى عواقب وخيمة عليها وعلى جنينها وأطفالها.
وفي ظل الاحتفال بـ “يوم المرأة العالمي” يجب دعم المرأة الفلسطينية الريفية، وهذا يعني توفير الدعم لمنطقة الأغوار، واعتبار دعم المرأة الريفية في الأغوار، أولوية وطنية.
وفي ظل الاحتفال بيوم المرأة العالمي تحت شعار تشجيع دخول المرأة الى العالم الافتراضي من خلال التعليم والابتكار والإبداع والتكنولوجيا، فإن هذا يتطلب حملات دعم وضغط ومناصرة موضوعية وتعتمد على الأدلة الحديثة والعلمية من أجل حشد الرأي العام، وبالتالي الوصول الى أصحاب القرار من أجل التغيير، لأنه وبدون رأي عام فاعل يضغط ويناصر ويتابع لن يتم إقناع أو الوصول الى من يملك إقرار القوانين، وبدون محتوى ناضج من حملات الإعلام والمناصرة واستخدام وسائل الإعلام وفي العالم الافتراضي، وهي كثيرة وسريعة وسهلة الاستعمال هذه الأيام، فلن يتم تحريك الرأي العام، ومن الواضح أن هذا لم يحدث حتى الآن في بلادنا، وبالتالي لم يحدث التغيير الجذري على مستوى القوانين والسياسات والمواقف، الذي تنشده المرأة الفلسطينية.
بقلم /عقل أبو قرع